Afleveringen

  • "ولي العهد" هو المنصب الذي تم إقراره للمرة الأولى في التاريخ العُمانيبمرسوم سلطاني في 11 يناير 2021م. حيث يمثل الحادي عشر من يناير ٢٠٢١م يوماً فارقاً في التاريخ العُماني الحديث والمعاصر؛ لسببين يتمثل الأول في كونه الذكرى الأولى لتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد. والسبب الثاني يتمثل في كونه شهد إصدار النظام الأساسي الجديد للدولة في عهد السلطان هيثم بن طارق في المرسوم السلطاني السامي رقم ٦/ ٢٠٢١، وتكمن الأهمية التاريخية في المادتين الخامسة والسابعة من النظام الأساسي الجديد للدولة التي من خلالها أُقرّ منصب ولاية العهد للمرة الأولى بشكل رسمي في التاريخ العُماني؛ إذ جاء في المادة الخامسة: "تنتقل ولاية الحكم من السلطان إلى أكبر أبنائه سناً، ثم أكبر أبناء هذا الابن، وهكذا طبقة بعد طبقة، فإذا توفي الابن الأكبر قبل أن تنتقل إليه ولاية الحكم انتقلت إلى أكبر أبنائه، ولو كان للمتوفى إخوة"، وبهذا فإن انتقال الحكم سيكون في المقام الأول بشكل رأسي من الأب إلى الابن. ثم بشكل أفقي من الأخ إلى الأخ "إذا لم يكن لمن له ولاية الحكم أبناء فتنتقل الولاية إلى أكبر إخوته". وجاء في المادة السابعة: "يصدر أمر سلطاني بتعيين من تكون له ولاية الحكم وفقاً لنص المادة (٥) من هذا النظام ولياً للعهد، ويحدد الأمر السلطاني اختصاصاته، والمهام التي تسند إليه".ومما يُقرأ في هذا المرسوم في بابه الأول الخاص بالدولة ونظام الحكم بمواده الاثني عشر عموماً:- وضوح آلية انتقال الحكم مع الأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات فلا مجال للتأويل ولا للخِلاف.- ضمان ديمومة الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي لانتقال ولاية الحكم في الدولة.- استحداث منصب ولي العهد للمرة الأولى في التاريخ العُماني بشكل رسمي محدد المهام والصلاحيات.- استحداث مجلس وصاية يمارس صلاحيات السلطان في حال انتقلت ولاية الحكم إلى من هو دون سن الحادية والعشرين، ويُعيّن مجلس الوصاية من قبل السلطان، وفي حالة لم يتم تعينه فمجلس العائلة المالكة يتولى تعيين مجلس وصاية يتكون من إخوة السلطان واثنين من أبناء عمومته.ويعد هذا المرسوم السلطاني خطوة مهمة في تنظيم تداول السلطة وضمان انتقال سلس في نظام الحكم في عُمان، وهو خطوة تاريخية استثنائية بما تضمنته من تعيين ولي للعهد -منصب سياسي يعد صاحبه المسؤول الثاني بعد السلطان وهو الذي سيتولى الحكم من بعده- كسابقة تاريخية في التاريخ العُماني لها جذورها ومرجعياتها في التاريخ الإسلامي، وبالعودة للجذور التاريخية لولاية العهد في التاريخ الإسلامي، فالرسول -صلى الله عليه وسلّم- انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة ١١هـ/ ٦٣٢م، دون أن يحدد طريقة الحكم وآليته في الدولة الإسلامية من بعده؛ حيث ترك الأمر للصحابة -رضوان الله عليهم- مصداقاً لقوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" (سورة الشورى، الآية ٣٨)، فكان انتقال الحكم في فترة الخلافة الراشدة (١١-٤٠هـ) بطريقة انتخابية إلا أنها لم تعتمد طريقة واحدة؛ فحيناً كان انتخاباً مباشراً مثلما حدث في اختيار الخليفة أبو بكر الصديق، وحيناً بالتسمية بعد معرفة آراء الناخبين، وأخذ البيعة منهم كما في خلافة عمر بن الخطاب، وتارة أخرى كان انتخاباً يقوم به الزعماء بين عدة أسماء كما في خلافة عثمان بن عفان.وظهر منصب ولي العهد للمرة الأولى في عهد الخلافة الأموية، فأول من عيّن ولياً للعهد كان الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، حيث أخذ البيعة بولاية العهد لابنه يزيد، وبعدها توالى أولياء العهود في فترة الخلافة الأموية (٤٠- ١٣٢هـ). وقد اتسمت ولاية العهد الأموية بمجموعة من السمات، أهمها:- أن يكون ولي العهد من أبوين عربيين حُرين.- نضج ولي العهد وبلوغه سن الرشد.كما شهدت ولاية العهد في الخلافة العباسية (١٣٢- ٦٥٦هـ) تطوراً اتسق مع المتغيرات والظروف التي شهدتها مؤسسة الخلافة عموماً، فخلفاء العصر العباسي الأول (١٣٢- ٢٤٧هـ) لم يكتفوا بتعيين ولي واحد للعهد، وإنما تعدوا إلى اختيار اثنين وثلاثة؛ حيث اختار أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر المنصور ولياً للعهد، ومن بعده عيسى بن موسى. واختار الخليفة محمد المهدي ابنه موسى الهادي ولياً للعهد ومن بعده الابن الآخر هارون الرشيد. أما الخليفة الرشيد فعيّن ثلاثة من أبنائه في ولاية العهد، وهم: الأمين والمأمون والمؤتمن. وكذلك فعل الخليفة جعفر المتوكل بتعيين ثلاثة من أبنائه في ولاية العهد: المنتصر فالمعتز فالمؤيد.وأما في التاريخ العُماني؛ فإن "ولي العهد" يظهر للمرة الأولى كمنصب ولقب سياسي رسمي؛ فعبْر تاريخها الطويل والممتد عرفت عُمان الكثير من الألقاب في منظومة الحكم والإدارة، لكن لم يكن "ولي العهد" إحداها. ومن الألقاب التي عرفتها عُمان للحاكم الذي يتولى السلطة السياسية بتسلسل زمني وفق ما أوردته المصادر التاريخية لقب الملك والوالي والعامل والإمام والسلطان والسيد. وهذا التعدد والتنوع في الألقاب السياسية يعكس شكل الحكم السائد وطبيعته، كما أنه يكشف عن السلطة السياسية الحاكمة وتوجهاتها. ولم يكن لمنصب ولقب ولي العهد صفة رسمية حتى تاريخ ١١ يناير ٢٠٢١م، وهو ما يُشكّل تطوراً تاريخياً في نظام الحكم في عُمان يتماشى مع التقاليد السياسية والخصوصية التاريخية لعُمان آخذة في الاعتبار ظروف ومتغيرات المرحلة التاريخية الآنية، ومطالبات المجتمع الدولي بوضوح عملية انتقال السلطة في عُمان، وهو ما تضمنه المرسوم السلطاني (٦/ ٢٠٢١) بوضوح تام انطلاقاً من تراث الحكم العُماني.تجدر الإشارة إلا أن ما يتم تداوله من وثائق أشارت إلى "ولي العهد" لا تحمل الصبغة الرسمية، كون أن "ولي العهد" في المقام الأول منصب سياسي لا يتم تداوله إلا بقرار من رأس السلطة السياسية الحاكمة وهو ما لم يكن موجوداً قبل تاريخ ١١ يناير ٢٠٢١م.





















  • السيدة معتوقة بنت حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي (ت: 1359هـ/ 1940م)، حفيدة السلطان ماجد بن سعيد (1273-1287هـ/ 1856-1870م)، وابنة السلطان حمود بن محمد (1314-1320هـ/ 1896-1902م)، وأخت السلطان علي بن حمود (1320-1329هـ/ 1902-1911م)، وزوجة السلطان خليفة بن حارب (1329-1380هـ/ 1911-1960م)، ووالدة السلطان عبد الله بن خليفة (1380-1383هـ/ 1960-1963م)، وجدة السلطان جمشيد بن عبد الله (1383-1383هـ/ 1963-1964م). والدتها السيدة خنفورة بنت ماجد بن سعيد. فالسيدة معتوقة سيدة جليلة في حياة ستة من سلاطين أسرة البوسعيد في زنجبار (1273-1383هـ/ 1856-1964م). وإخوتها: علي وماجد وسعود وتيمور وفيصل ومحمد وبشان وبوران وحكيمة.والدها السلطان حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي (1314-1320هـ/ 1896-1902م): سابع سلاطين زنجبار. وُلد بمسقط في عام 1270هـ/ 1853م، وسافر من مسقط إلى زنجبار في أيام حكم السلطان السيد ماجد بن سعيد (1273-1287هـ/ 1856-1870م)، وتزوج من ابنة عمه السيدة خنفورة بنت السلطان السيد ماجد بن سعيد بن سلطان. تزوجت السيدة معتوقة من السيد خليفة بن حارب في عام 1899م قبل توليه السلطة في زنجبار، وعاشت معه قرابة 41 عاماً، 12 عاماً قبل أن يصبح سلطاناً، و29 عاماً بعد أن أصبح سلطاناً، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وهم: السيد ثويني بن خليفة (ت: 1906م) والسيد عبد الوهاب بن خليفة (ت: 1912م) والسيد عبد الله بن خليفة (ت: 1963م).توفيت السيدة معتوقة في 25 جمادى الأول 1359هـ/ 30 يونيو 1940م، ودفنت في المقبرة الملكية بزنجبار، وبعد وفاتها تزوج السلطان خليفة بن حارب من السيدة نونو بنت أحمد بن حماد بن حمد السمار البوسعيدية في العام 1948م والتي أنجب منها ابنته السيدة أمل. وقد استقبل السلطان خليفة بن حارب واجب العزاء في زوجته السيدة معتوقة في المسجد المجاور للسراي (مسجد الحديث) لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث رفع العزاء في بيت الجمعية العربية على نحو ما جاء في جريدة الفلق. ورصدت جريدة الفلق بعض التعازي التي تلقاها السلطان خليفة بن حارب في وفاة زوجته السيدة معتوقة، منها تعزية من الملك جورج السادس ملك بريطانيا العظمى وإيرلندا (1936-1952م)، وبرقية تعزية من السلطان سعيد بن تيمور سلطان مسقط وعُمان (1350-1390هـ/ 1932-1970م).لُقبت السيدة معتوقة بالسلطانة وهو اللقب الذي جاء في النعي الذي أوردته جريدة الفلق ، فتحت عنوان (على روح الفقيدة) وصفت الفلق السيدة معتوقة "أم المحسنات السلطانة معتوقة"، ومما جاء في الخبر: "أقام عرب الجزيرة في ويته وشكشك قراءة القرآن العظيم على روح المرحومة فجيعة زنجبار أم المحسنات السلطانة معتوقة". كما لُقبت السيدة معتوقة بأم المحسنات لكثرة إنفاقها، وجاء في نعي الجمعية الخيرية بزنجبار: "أما بعد فإن جميع سكان هذه المحمية أصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها يوم نعى إليهم معتوقة الله السلطانة السيدة معتوقة بنت السيد حمود لجميل سجاياها وسخاوة يدها وعموم نداها للأدانى والأباعد".ونرصد بعض المرثيات التي نشرتها جريدة الفلق والتي قيلت في وفاة السيدة معتوقة في عددين من أعدادها لكلٍ من: الشيخ برهان بن محمد مكلا القمري، والشيخ عبد الله بن صالح الفارسي، والسيد أبو الحسن جمل الليل، والشيخ صالح بن علي الخلاسي، والشيخ عبد الله بن أحمد بافضل. فقد رثى العلامة الشاعر برهان بن محمد مكلا القمري (1883-1949م) السيدة معتوقة واصفاً إياها: بنت السلاطين، وحفيدة ابن سعيد، وسيدة الوطن، ونشرت المرثاة في جريدة الفلق في عدد 601 بتاريخ 13 يوليو 1940م. ومما جاء في المرثاة:أفلت نجوم الأنس واسود الزمن وبدت وجوه أولى المسرة بالحزنوغدا مجالس زنجبار جميعها تبكي على فقدان سيدة الوطنبنت السلاطين الذين تمكنوا من عرشهم وتملكوا هذي المدنوحفيدة ابن سعيد وهو محمد ولماجد هي سبطة لذوي الفطنويضيف الشاعر برهان بن محمد مكلا القمري، موضحاً أعمال الخير التي اشتهرت بها السيدة معتوقة:يا هول من قد كان يقصد دارها قد فاته تلك الحفاوة والمؤنوكذلك الفقراء أن طلبوا الندى تعطي صغير السن منهم والأسنورثى الشيخ القاضي عبد الله بن صالح الفارسي (ت: 1402هـ/ 1982م) السيدة معتوقة في مرثية طويلة، مما جاء فيها:خطب عظيم قد جرى في زنجبار فحيراكل الذي فيها درى عظم المصاب فكبرابنت السلاطين الكرام الشم من غير امتراومما جاء في مرثية الشيخ صالح بن علي الخلاسي (ت: 1362هـ/ 1943م):أم الأمير الشهم قد رحلت إلى دار البقاء من الفناء من لليتامى والأرامل بعدها أمّن يجود اليوم بالصدقاتفلقد كوتهم بالأسى لكنها بعد الفراق تجول في الجناتقدَّم السيد أبو الحسن بن أحمد جمل الليل (ت: 1379هـ/ 1959م) تعزيته قائلاً: "بهذه المرثاة المختصرة أرجو من مولانا جلالة الملك السيد خليفة بن حارب بن الإمام وولي العهد الأمير السيد عبدالله بن السيد خليفة وآل سعيد أن يتقبلوا تعزيتي عن مصابهم"، ومما جاء في المرثية القصيرة:وقد فخرت حور الجنان بمقدم لمنجبة ساداتنا معتوقةتحلى وشاح الفوز صدر كمالها فصارت بفردوس الرضى مرموقةمرثية الشيخ عبد الله بن أحمد بافضل: ومما جاء في مرثيته:هي للجود والمعالي مثال ولها الرفق والحنان شعارهي سلطانة البلاد ولكن هي أم الشعوب والمستجار ختاماً،، استعرضنا جوانب بسيطة من حياة بنت السلاطين السيدة معتوقة بنت حمود البوسعيدية مما جادت به المصادر، ولا شك أن حضور هذه السيدة الجليلة في المجتمع كان حضوراً بارزاً ولافتاً وهو ما أوضحته المراثي التي كشفت عن مناقبها المتمثلة في جودها وكرمها.



  • Zijn er afleveringen die ontbreken?

    Klik hier om de feed te vernieuwen.

  • صاحب السمو السيد طارق بن تيمور بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد آل سعيد (1920-1980م)، سياسي وقائد عسكري وهو صاحب أول دستور في تاريخ عُمان الحديث. وهو والد السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه، والأخ غير الشقيق للسلطان سعيد بن تيمور، كان رئيس وزراء سلطنة عُمان في عهد السلطان قابوس خلال الفترة (1970-1972م).ولد السيد طارق عام 1920م في مدينة إسطنبول التركية، والده السلطان تيمور بن فيصل، ووالدته السيدة كاملة أجرالي. عاش السيد طارق بتركيا ثم انتقل إلى ألمانيا مع والدته ودرس فيها إلى أن تم استدعاءه للعودة إلى عُمان عام 1936م، لهذا أتقن السيد طارق ثلاث لغات: (العربية والتركية والألمانية). عند عودته إلى عُمان أرسله أخوه السلطان سعيد بن تيمور إلى صور للتعرف على أعمال الإدارة الحكومية هناك، ثم سافر للعمل في شرطة مدراس الهندية للتعرف على أعمال الشرطة، ثم تدرب عسكرياً في إقليم بلوشستان الذي كان تابعاً للسلطنة، وبعد عودته التحق بقوة مشاة مسقط برتبة ملازم، ثم عين مديراً لبلدية مسقط.
    وفي بدايات عام 1945م تسلم السيد طارق منصب رئيس بلدية مسقط ومطرح وكان صارما في قوانينه، حتى أن بعض الوثائق البريطانية أكدت أن طارق هو أول من فرض ضريبة على من يرمي المهملات في الطرق، وكان أول من بنى الحمامات في مسقط بالرغم من المعارضة الشديدة التي لاقاها، ولكن في نهاية المطاف اكتشفوا بعد نظرته الثاقبة في الحفاظ على نظافة مسقط ومطرح.برزت شخصية السيد طارق بن تيمور القيادية أثناء أحداث الجبل الأخضر، حيث كان السيد طارق أبرز قادة الجبهة الحكومية. واشتهر بالتنظيم والتخطيط، فقد عمل على تشكيل مجموعات صغيرة خاصة أطلق عليها رجال طارق، مهمتها تنفيذ بعض العمليات العسكرية.وبسبب الاختلاف في وجهات النظر السياسية بينه وبين أخيه السلطان سعيد بن تيمور غادر السيد طارق عُمان في نوفمبر 1962م، فتنقل بين عدة بلدان منها: تركيا وألمانيا. بدأ من مارس 1963م بالتخطيط لتغيير الوضع في عُمان والخروج بها من عزلتها، وفي سبتمبر 1963م عمل على وضع لائحة تنظيمية لتحركاته السياسية، وكان يهدف من ذلك إحداث التغيير في عُمان، فكان يركز في محادثاته مع البريطانيين وشيوخ عُمان على ضرورة تخلي السلطان سعيد عن الحكم لابنه قابوس، وأثناء وجوده في أبوظبي أنشأ السيد طارق فيها مكتباً تجارياً عين عبدالله بن حسين داود –وهو تاجر عُماني- مديراً له.في عام 1966م عاود السيد طارق نشاطه السياسي، وبدأ بالتواصل مع بعض الأطراف التي كانت معارضة لأخيه السلطان سعيد بهدف توحيد الصف ونقل السلطة إلى السيد قابوس. وأصدر السيد طارق بن تيمور بيانه الأول إلى كافة المشايخ والعلماء والأعيان والموظفين والجنود والمواطنين في 11 جمادى الثانية 1387هـ/ 15 سبتمبر 1967م؛ أوضح من خلاله هدفه بالنهوض بعُمان، وتوفير سبل العيش الكريم للعُمانيين داخل بلدهم، وحمّل الحكومة القائمة ما تعانيه السلطنة من تخلف وفقر، ودعا فيه العُمانيين إلى التعاون معه لتحقيق ذلك، وأوضح في نهاية البيان أنه يعمل على إعداد مشروع دستور مؤقت للحكم.تكوّن الدستور المؤقت للمملكة العُمانية الذي أصدره السيد طارق من ديباجة وستة أبواب، أولها يتألف من تسع مواد تتعلق بشكل الدولة وهويتها، ويوضح الثاني شروط ومواصفات مسؤوليات الملك، ويحوي الباب الثالث شؤون مجلس الوزراء، والرابع مجلس الدولة، والخامس الجمعية الوطنية، والسادس شؤون العلاقات الدولية. إلا أن مكتب الإمامة في الدمام رد على هذا البيان ببيان مضاد يتهمه فيه بطموحه للوصول إلى السلطة في عُمان.بعد تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد الحكم في عُمان عاد السيد طارق بن تيمور إلى مسقط في 29 جمادى الأولى 1390هـ/ 2 أغسطس 1970م ليشغل منصب رئيس الوزراء في أول حكومة شكّلها السلطان قابوس، فتولى رئاسة الوزراء في 14 أغسطس 1970م، وتخرج أول فصيل من الشرطة تحت رعايته في العام نفسه، وعمل السيد طارق على استقطاب الشخصيات العُمانية المعارضة الذين كانوا خارج عُمان وانضموا إلى الحكومة للنهوض بالدولة، وعمل أيضاً على انضمام السلطنة إلى المنظمات الإقليمية والدولية، ونجحت حكومته في ضم عُمان إلى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية المنبثقة عنهما، وتولى رئاسة مجلس المحافظين العُماني، فكانت العملة العُمانية تحمل توقيعه.لم يستمر السيد طارق طويلاً في منصبه رئيساً للوزراء فقد استقالته في 5 ذي القعدة 1391هـ/ 2 يناير 1972م. توفي السيد طارق بن تيمور في 28 ديسمبر 1980م.

  • أوتو فون بسماركهو المستشار الألماني الذي كان له دور مهم في العلاقات بين سلطنة زنجبار وألمانيا في عهد السلطان خليفة بن سعيد. ولد بسمارك في 1 أبريل 1815م، وتوفى 30 يوليو 1898م. قام بسمارك بدور كبير في توحيد الولايات الألمانية وتأسيس الإمبراطورية الألمانية وأصبح أول مستشار لها منذ تأسيسها في عام 1871م وحتى عزله من قبل الامبراطور ولهلم الثاني في 20 مارس 1890م وذلك لتباين وجهات النظر بين الرجلين. تولى منصب المستشار الألماني خلال فترة حكم ثلاثة أباطرة: ولهلم الأول وفريدريك الثالث وولهلم الثاني. وكان لبسمارك الدور الأكبر في رسم السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا خلال فترة زمنية طويلة امتدت لعشرين عاماً تقريباً.شهدت العلاقات بين سلطنة زنجبار وألمانيا في عهد السلطان خليفة بن سعيد، نشاطاً دبلوماسياً ظهر في المراسلات التي تثبتها الوثائق بين الجانبين، والتي توثق تبادل القناصل، والوفود والهدايا بين الجانبين. وتبدأ تلك المراسلات من خلال رسالة موجهة من السلطان خليفة بن سعيد سلطان زنجبار إلى ولهلم الثاني إمبراطور ألمانيا وملك بروسيا يعزيه في وفاة والده، ويهنئه بمناسبة توليه الحكم، مؤرخة في:19/12/1305هـ-26/8/1888م، ومما توثقه المراسلات المتبادلة بين الجانبين أيضاً رسالة من السلطان خليفة إلى بسمارك وزير خارجية ألمانيا يشكره على الموافقة في تعيين ألبات أسولد كقنصل لسلطان زنجبار في همبورج بألمانيا، مؤرخة في: 17/12/1305هـ- 24/8/1888م. ورسالة أخرى من السلطان خليفة إلى القنصل الجنرال ألبات أسولد يعلمه فيها بموافقة بسمارك وزير خارجية ألمانيا على تعيينه كقنصل لسلطان زنجبار في ألمانيا ومباشرة أعماله في المنصب. 17/12/1305هـ- 24/8/1888م.

    كما تبادل الجانبان الوفود، فتوجه وفد مرسل من السلطان خليفة بن سعيد إلى برلين لمقابلة الإمبراطور الألماني ولهلم الثاني، وكانت هناك مراسلات لترتيب تلك الزيارة، منها: رسالة من نائب القنصل الألماني في زنجبار إلى خليفة بن سعيد سلطان زنجبارحول موعد سفر الوفد المُرسل من سلطان زنجبار إلى برلين لمقابلة الإمبراطور الألماني ولهلم الثاني وذلك لعمل الترتيبات اللازمة لاستقباله، مؤرخة في: 5/12/1306هـ- 1/8/1889م. وبعد انتهاء الزيارة، أرسل الامبراطور ولهلم الثاني قيصر ألمانيا وملك بروسيا رسالة إلى السلطان خليفة بن سعيد سلطان زنجبار يشكره فيها على الوفد المرسل منه، وعلى الهدايا المرسلة منه من خلال الوفد الذي زاره في برلين، مؤرخة في: 5/2/1307هـ- 30/9/1889م. كما تلقى السلطان خليفة رسالة من بسمارك المستشار الألماني يشكره على الوفد المُرسل (ومنهم: سعود بن حمد ومحمد بن سليمان) من جلالته لمقابلة الامبراطور ولهلم الثاني (1888-1918م) ويبلغه رغبة الامبراطور الألماني في استقرار الأوضاع في منطقة البر الأفريقي طالباً مساعدة سلطان زنجبار في تحقيق ذلك. كما يبلغه الموافقة على طلب جلالته في خفض ضريبة العشور التي تأخذها الشركة الألمانية، مؤرخة في: 10/3/1307هـ- 3/11/1889م.كما تناولت المراسلات الدبلوماسية بين الطرفين موضوع التهدئة بين السلطان خليفة بن سعيد والشركة الألمانية الأفريقية، فتلقى السلطان خليفة رسالة من الامبراطور ولهلم الثاني قيصر ألمانيا وملك بروسيا يبلغه برفع موضوع شكاوى جلالته تجاه الشركة الألمانية الأفريقية إلى المستشار بسمارك، مع طمأنة جلالته بإمكانية التوصل إلى اتفاق مُرْضي للطرفين بما يضمن علاقات الود والصداقة بين البلدين مؤرخة في: 19/12/1306هـ- 15/8/1889م (الوثيقة ترجمة باللغة العربية عن الألمانية) ، سبقتها رسالة من بسمارك المستشار الألماني إلى السلطان خليفة بن سعيد يبلغه عن رفضه للفعل الذي قامت به الشركة برفع علمها إلى جانب علم جلالته، كما يوضح له أنه سينظر إلى الشكاوى المرفوعة ضد الشركة الألمانية الأفريقية بخصوص الضرائب بالرجوع إلى الاتفاقية المبرمة بين الطرفين، وأخيراً يؤكد على حرص الامبراطور ولهلم على علاقات الود والصداقة بين البلدين، مؤرخة في: 11/12/1306هـ- 7/8/1889م.

    ويذكر المغيري: "وفي عام 1307هـ/ 1890م أهدت المستعمرات الألمانية المعروفة بالمرائم في هذه الأفريقية سيفاً مذهباً، بواسطة الشيخ الجليل سليمان بن ناصر اللمكي، الذي قدمه بنفسه لجلالة ملك الألمان في برلين، مطرزاً بصفائح الذهب، وعصا ذهبية بغاية الهندسة والاتقان". كما يذكر الباحث بنيان سعود تركي أن قيصر ألمانيا أهدى السلطان خليفة بن سعيد ساعة ثمينة مطلية بالذهب عموماً، تعود جذور العلاقات التاريخية بين الألمان وزنجبار إلى عهد السلطان السيد سعيد بن سلطان، واتخذت تلك العلاقات الجانب الرسمي في عهد السلطان ماجد بن سعيد (1273-1287هـ/ 1856-1870م) من خلال توقيع معاهدة تجارية بين سلطان زنجباروالمدن الهانزية الحرة الألمانية: (لوبيك، بريمن، هامبورغ) حول المصالح التجارية المشتركة بين الطرفين، والموقعة بتاريخ: 11/11/1275هـ -13/6/1859م.واتخذت العلاقات الألمانية مع سلطنة زنجبار في عهد السلطان خليفة بن سعيد بعدين:- البعد السياسي- الاقتصادي (الاستعماري): وهذا يظهر من خلال الشركة الألمانية الشرقية ومحاولتها في التعدي على أملاك سلطنة زنجبار، وانعكس ذلك سلبياً من خلال ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي وما ترتب عليه من حصار لزنجبار وتوقيع عدد من الاتفاقيات حول تجارة السلاح والعبيد.- البعد الدبلوماسي: ويتضح من خلاله العلاقات الودية بين السلطان خليفة بن سعيد والامبراطور ولهلم الثاني، فتم تبادل السفراء، والوفود والهدايا وهو ما تكشفه الوثائق التي تسجل تلك المراسلات بين الطرفين.الجدير بالذكر أن الأطماع الاستعمارية للألمان في عهد السلطان خليفة بن سعيد أدت إلى رضوخ السلطان علي بن سعيد لضغط الإنجليز وقبوله توقيع اتفاقية وضع زنجبار تحت الحماية الإنجليزية في 4 نوفمبر 1890م.











  • مؤلف كتاب: "الموجز المفيد نبذ من تاريخ البوسعيد" هو الشيخ القاضي الوالي السيد حمد بن سيف بن محمد بن سلطان البوسعيدي، عاش في القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، من بلد الأخضر من سمد الشأن بولاية المضيبي، ولد في السيب عام 1341هـ/ 1922م.اهتم السيد حمد بطلب العلم منذ نعومة أظافره، فختم القرآن الكريم في وقت مبكر، ودرس النحو على يد الشيخ أبي يوسف حمدان بن خمّيس اليوسفي أولاً، ثم رحل إلى نزوى سنة 1361هـ/ 1942م، فدرس النحو عند الأستاذ حامد بن ناصر النزوي، ودرس البلاغة والتوحيد وأصول الدين مع الشيخ سالم بن سيف بن سليمان البوسعيدي، كما درس عند الإمام محمد بن عبد الله الخليلي رحمهم الله جميعاً.عُين السيد حمد والياً وقاضياً في عدة ولايات بدءاً من عام 1369هـ/ 1950م، منها وادي بني خالد والسويق وقريات وصور، ثم عمل قاضياً بوزارة الأراضي سابقاً، ثم مراجعاً ومصححاً للكتب التي تطبعها وزارة التراث القومي والثقافة، ثم قاضياً بالمحكمة الشرعية بمسقط، بعدها مستشاراً قضائياً لوزير العدل.ترك السيد حمد بن سيف البوسعيدي العديد من المؤلفات، منها:- الموجز المفيد نبذ من تاريخ البوسعيد. (مط)- قلائد الجمان في أسماء بعض شعراء عُمان. (مط)- الجواهر السنية في المسائل النظمية: يشتمل على أسئلته وأجوبته النظمية، بالإضافة إلى قصائد في موضوعات شتى. (مط)- إرشاد السائل في أجوبة المسائل: جمع فيه بعضا من أجوبة المتأخرين في العبادات والمعاملات نظما ونثرا، ويقع في اثنين وعشرين بابا، وقد انتهى منه مؤلفه في 10 رمضان 1404هـ/ 9 يوليو 1984م. (مط)- بغية الطلاب المختصر من جامع أبي الحواري واللبان. (مخ)- أشعار متفرقة.- أجوبة نثرية: يوجد شيء منها في زاد الأنام للشيخ سيف بن محمد الفارسي.توفي السيد حمد بن سيف البوسعيدي في مسقط عصر يوم الخميس 6 ربيع الثاني 1419هـ/ 31 يونيو 1998م، وقد رثاه الشيخ سليمان بن مهنا الكندي بقصيدة لامية.وبالعودة إلى كتاب "الموجز المفيد نبذ من تاريخ البوسعيد"، فهو يتكون من تقديم (السيد محمد بن أحمد البوسعيدي) ومقدمة (السيد حمد بن سيف البوسعيدي) وتمهيد (نسب آل بوسعيد) ثم متن الكتاب المكون من قسمين أو جزءين؛ الجزء الأول في الأئمة والسلاطين، تحدث فيها المؤلف عن عدة مواضيع نذكر بعضاً منها:- السيد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة.- ذكر بعض ولاة الإمام أحمد بن سعيد.- الإمام السيد سعيد بن الإمام أحمد وولده السيد حمد بن سعيد.- السلطان السيد سلطان بن الإمام أحمد.- السلطان السيد سعيد بن سلطان.- ذكر بعض ولاة السلطان سعيد بن سلطان.- سلاطين عُمان وأولهم: السلطان السيد ثويني بن سعيد بن سلطان.- السلطان السيد سالم بن ثويني.- السيد الإمام عزان بن قيس.- السلطان السيد تركي بن سعيد.- السلطان السيد فيصل بن تركي.- السلطان السيد تيمور بن فيصل.- السلطان السيد سعيد بن تيمور.- السلطان السيد قابوس بن سعيد.- سلاطين زنجبار وأولهم: السيد ماجد بن سعيد.- السلطان السيد برغش بن سعيد.- ذكر بعض ولاة السلطان برغش وقضاته.- السلطان السيد خليفة بن سعيد.- السلطان السيد علي بن سعيد.- السلطان السيد حمد بن ثويني بن سعيد.- السلطان السيد علي بن حمود بن محمد- السلطان السيد خليفة بن حارب بن ثويني.- السلطان السيد عبدالله بن خليفة بن حارب.- أولاد المذكورين وأبناء عمهم.

    -

    أما القسم الثاني/ الجزء الثاني من الكتاب فجاء بعنوان: في تراجم العلماء والفقهاء والسادة والأدباء والأدباء من البوسعيد وأشعارهم، حيث ذكر ترجمة ل47 بين عالم وفقيه وشاعر.يقول السيد محمد بن أحمد بن سعود البوسعيدي في تقديمه للكتاب:"جهد متواصل، ودقة في التحري والتلقي، حتى أمكن إخراج (الموجز المفيد نبذ من تاريخ آلبوسعيد) لعل القارئ المتعمق لا يشبعه ما جاء في هذا المختصر، لذلك أرجو أن ينتبه أنه أول كتاب في موضوعه، هذه هي أهميته، لأنه الأول، ولولا الأول ما جاء الثاني. كتاب جُمعت معلوماته من كتب متفرقة، ومخطوطات محفوظة، وروايات موثوقة، تسلسلت حفظاً، رواها الابن عن الأب عن الجد، رواها المتعلم عن العالم، رواها السائل عن الثقة المجيب، تجسدت هذه كُلها لتكون (الموجز المفيد). طالعت الموجز مِراراً، ثم زدته تكراراً، لذلك صرت واثقاً وثوق المطمئن لصحة كل ما جاء فيه، صحةً لا تقبل الشك، مُستيقناً بالمراجع، لا يتطرق إليها الوهم، لذلك لا يسعني إلا أن أُهنيء مُؤلِفه الأخ القاضي السيد حمد بن سيف بن محمد آلبوسعيدي، الذي طالما كنا زميلين في السابق في عدة أعمال حكومية. وإعجاباً بالمُؤلَف، وتقديراً للمؤلِف، كتبت عُجالتي هذه. والله ولي التوفيق". حرر في الأول من ذي القعدة عام 1407هـ/ 27 يونيو 1987م.وفي مقدمة الكتاب، يقول السيد حمد بن سيف بن محمد آلبوسعيدي:"فإن التاريخ ذكرى للأولين، وموعظة للآخرين، لينظر الناظر في سِير الغابرين، ليقتدي بالصالحين، فجمعت مختصراً في تاريخ آلبوسعيد، وذكرت فيه، منهم الأئمة والسلاطين والعلماء والأدباء، الذين نظموا الشعر مع ذكر بعض من أشعارهم، وذلك حسبما اطلعت عليه منهم، وسميته: (الموجز المفيد نبذ من تاريخ آلبوسعيد)".
  • السلطان الذي أشار إليه المؤرخ المغيري في كتابه جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار بأنه: "أول السلاطين البوسعيديين، من أولاد الإمام الذين زاروا الجزيرة الخضراء"، هو السلطان السيد حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد البوسعيدي (1314-1320هـ/ 1896-1902م)، سابع سلاطين الأسرة البوسعيدية بسلطنة زنجبار، والده السيد محمد الابن الرابع للسيد سعيد بن سلطان. وُلد السيد حمود في مسقط عام 1270هـ/ 1853م، وسافر من مسقط إلى زنجبار في أيام حكم عمه السلطان السيد ماجد بن سعيد(1273-1287هـ/ 1856-1870م)، وتزوج من ابنة عمه السيدة خنفورة بنت السلطان السيد ماجد بن سعيد بن سلطان. وأنجب منها عشرة أبناء: علي وماجد وسعود وتيمور وفيصل ومحمد ومعتوقة وبشان وبوران وحكيمة. وفي وصية السلطان حمود -التي تمك الاطلاع عليها- لم يذكر إلا خمسة منهم: علي، ومعتوقة وبوران، وبشان، وحكيمة. وتشير الوثائق إلى الابن الثاني ماجد بن حمود لوجود وديعة مالية باسمه مؤرخة في عام 1899م، حيث تُوفى ماجد في عام 1899م، أما بقية الأبناء الذكور: سعود وتيمور وفيصل ومحمد فيبدو أنهم تُوفوا صغاراً. زار السيد حمود قبل توليه الحكم عدد من البلدان، ففي عام 1889م سافر لأداء فريضة الحج ومكث في الديار المقدسة ثلاث سنين، يصفه المغيري بأنه: "كان في غاية الورع والزهد". كما سافر السيد حمود إلى الهند وعاد إلى زنجبار في عهد السلطان السيد برغش بن سعيد (1287-1305هـ/ 1870-1888م). وقوبل بالاحتفاء والتبجيل لوصوله زنجبار. كما زار السيد حمود لاموه وممباسا وبمبا (الجزيرة الخضراء)، كل تلك الزيارات كانت قبل توليه الحكم. تولى السيد حمود بن محمد عرش زنجبار في يوم 17 ربيع الأول 1314هـ/ 27 أغسطس 1896م. عندما تولى الحكم زار السلطان السيد حمود بن محمد عدد من المناطق التابعة لسلطتنه في زيارة عُرفت تاريخياً بزيارة السلطان المعظم حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان بالأقطار الأفريقية الشرقية، وبدأت هذه الزيارة في 4 رجب 1317هـ/ 7 نوفمبر 1899م، وانتهت في 3 شعبان 1317هـ/ 6 ديسمبر 1899م، واستغرقت شهر تقريباً، زار خلالها السلطان حمود عدة مدن، منها: لامو، وسيوى، وممباسا، وبمبا (الجزيرة الخضراء). يقول المغيري واصفاً زيارة السلطان حمود للجزيرة الخضراء: "وإن هذا السلطان هو أول السلاطين البوسعيديين، من أولاد الإمام الذين زاروا الجزيرة الخضراء. ولماذا لم يلتفت أولئك السادة الماضون إلى زيارة الجزيرة الخضراء التي هي أجل محاصيل حكومتهم من مداخيلها". وتم توثيق تلك الزيارة بسيرة (أدب الرحلات) كتبها القاضي ناصر بن سالم بن عديم الرواحي البهلاني بعنوان: (اللوامع البرقية في رحلة مولانا السلطان المعظم حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان بالأقطار الأفريقية الشرقية).تميّز السلطان السيد حمود بن محمد بقدرٍ كبيرٍ من الاستنارة، كما أنه كان أكثر تقبلاً للحياة العصرية؛ فهو كما يقول المغيري، أول من أكل على المائدة؛ كما اتخذ من بيت العجائب سكناً له. حقق السلطان السيد حمود مطالب الإنجليز بحظر الرق نهائياً في زنجبار، وعتق جميع الرقيق؛ مما دفع الحكومة البريطانية لتكريمه وتقليده وسام الفارس الكبير من الملكة فيكتوريا بتاريخ 20 أغسطس 1898م.قام السلطان السيد حمود بن محمد ببعض الإجراءات لإصلاح وتنظيم عمل المحاكم في زنجبار وبمبا (الجزيرة الخضراء)، وتضمن إنشاء: المحكمة العظمى لجلالة السلطان حمود في زنجبار، ومحكمة زنجبار ومحكمة بمبا، وتم نشر ذلك من خلال إعلان صادر من السلطان حمود إلى العموم يتضمن أربع وثلاثون بنداً ينظم العمل في سلك القضاء. وأبرز القضاة في عهده: القاضي سيف بن ناصر الخروصي، والقاضي ناصر بن سالم بن عديم الرواحي البهلاني، والقاضي علي بن محمد المنذري، والقاضي أحمد بن سميط، والقاضي برهان بن عبد العزيز الأموي.تُسجل الوثائق اهتمام السلطان السيد حمود بن محمد بالشؤون الثقافية، وهو يظهر من خلال اشتراكه السنوي في العديد من المجلات والجرائد، كما يتأتى من خلال دعمه للمثقفين من كتّاب وشعراء وأُدباء، وهو ما عبّر عنه هؤلاء المثقفين بقصائد المدح والثناء، والكتب المُهداة التي تم إرسالها للسلطان حمود بن محمد. استحدث السلطان السيد حمود بن محمد نيشاناً باسمه، أسماه: (النيشان الحمودي)، ويأتي برتب مختلفة، يصفه السلطان في إحدى الوثائق: "أكبر نياشيننا المرصع بجواهر الألماس والياقوت"، وقام بمنحه لعدد من الشخصيات، منها: الوزير الأعظم السير لويد وليم ماثيوس، ووالي ممباسا السيد سالم بن خلفان البوسعيدي وابنه علي بن سالم بن خلفان البوسعيدي، ووالي ماليندي السيد سعيد بن حمد البوسعيدي، والشيخ الحاج محمد بن يوسف اطفيش، والقنصل الفرنسي في زنجبار لوسين لابوس، والقنصل الألماني في زنجبار بارون فون ريختبرح، والقنصل النمساوي في زنجبار لاو توكر موتل، وغيرهم الكثير.تُوفى السلطان حمود بن محمد في 12 ربيع الآخر 1320هـ/ 20 يوليو 1902م، وبلغت فترة حكمه ست سنين وستة أشهر. وبعد وفاته تم استدعاء ابنه السيد علي- الذي كان متواجداً في إنجلترا- ووصل السيد علي إلى ميناء زنجبار بتاريخ 27 يوليو 1902م على متن سفينة فرنسية، واستقبله في القصر عمه السيد خالد بن محمد؛ لتهنئته بتسلم الحكم خلفاً لوالده السلطان حمود بن محمد.

  • الشخصية العُمانية النسائية التي تلقب بالحاكمة -بحسب ما جاء في الوثائق- وكان لها تعاملات تجارية مع السلطان سعيد بن سلطان هي نور بنت معروف بن حسين آل همام. حيث ينتشر اسم نور في محافظة ظفار -احدى محافظات سلطنة عُمان الاحدى عشر- بشكل كبير وواسع، وهو من أجمل الأسماء العربية وأجلها معنى؛ ولأننا مسكونون بالتاريخ يصبح للاسم قيمة أكبر إذا اقترن بسيدة عُمانية لها مكانتها الاجتماعية ونفوذها السياسي والتجاري، وهي السيدة نور بنت معروف بن حسين المنتمية إلى أسرة آل همام، وهي أسرة ذات مكانة سياسية واقتصادية واجتماعية في مدينة مرباط بمحافظة ظفار. عملت هذ الأسرة في التجارة، وتمتعت بنفوذ سياسي واقتصادي خاصة في نهاية القرن ١٢هج وبدايات القرن ١٣هج/ نهاية القرن ١٨ وبداية القرن ١٩م بحسب ما يذكره حسين باعمر في كتابه تاريخ ظفار التجاري.وُلدت السيدة نور في ظفار وبالتحديد في مرباط المدينة الساحلية التي كان لمينائها مكانة اقتصادية مهمة في التاريخ العُماني، ولا تورد المصادر تاريخاً محدداً لولادتها وربما حسب المعطيات التاريخية وُلدت في نهاية القرن ١٢هج/ ١٨م. ورثت السيدة نور هذا النفوذ من جدها النقيب حسين. في حين يعد والدها النقيب معروف من أشهر شخصيات آل همام، وكان له تعاملات تجارية نشطة في ميناء مرباط في الربع الأخير من القرن ١٨م. وتكشف الوثائق التاريخية بعض أوجه النفوذ الذي تمتع به والد السيدة نور، حيث تضمنت احدى الوثائق تعاملاً تجارياً بينه وبين السيد سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد (١٧٩٢-١٨٠٤م) بحسب ما يورده باعمر.بدأ يبزغ نور سيدة الجنوب بعد وفاة والدها معروف والذي تزامن مع الفراغ السياسي الذي خلّفه وفاة السيد محمد بن عقيل السقاف في عام ١٢٤٥هـ/ ١٨٢٩م -بحسب لوريمر أعلن السقاف سلطته على ظفار في عام 1218هـ/ 1804م- وهو ما أتاح للسيدة نور فرض سلطتها على مرباط خاصة في العقد الرابع من القرن ١٩م، وقامت بوضع القوانين التي تدير المدينة، واتخذت من حصن الحسينية في مرباط -بناه جدها النقيب حسين- مقراً للحكم. ومما يُذكر في هذا الشأن تبعاً لما أورده لوريمر في دليله التاريخي عن الخليج، أن السلطان السيد سعيد بن سلطان (١٨٠٤-١٨٥٦م) أرسل حملة عسكرية لإحكام السيطرة على ظفار في عام 1829م بعد مقتل السقاف. ولأن الوثيقة ذاكرة الأمة، وشاهد عيان للتاريخ؛ تكشف لنا وثيقة تاريخية مؤرخة في عام ١٢٤٧هـ/ ١٨٣٢م حجم النفوذ الذي تمتعت به الحرة الطاهرة-اللقب الذي ذُكرت به في الوثيقة- حيث تضمنت الوثيقة الإشارة إلى بعض التسهيلات التي قدمتها السيدة نور لإحدى سفن السلطان السيد سعيد بن سلطان الراسية في ميناء مرباط؛ ونتيجة لهذا النفوذ لُقبت بــــــ(الحاكمة). وثيقة مؤرخة في عام ١٢٤٧هـ/ ١٨٣٢م تكشف عن تسهيلات قدمتها السيدة نور لإحدى سفن السلطان السيد سعيد بن سلطان (١٨٠٤-١٨٥٦م).تُوفيت السيدة نور في مرباط، وبحسب الموسوعة العُمانية لا تورد المصادر تاريخ محدد لوفاتها، ولازالت الروايات الشفوية تنقل كرم وقوة ونفوذ هذه السيدة الاستثنائية، فخلود سيرتها العطرة في المجتمع تتناقله الألسن جيلاً بعد جيل. فهي نموذج مؤثر ومشرف للمرأة العُمانية يجسد حضورها في مختلف المجالات عبْر فترات التاريخ الإنساني.

  • السلطان تركي بن سعيد هو السلطان الذي كان والياً على صحار منذ عام ١٨٥١م وحتى عام ١٨٦١م وأصبح سلطاناً على عُمان في عام ١٨٧١م، وهو الابن الخامس للسلطان سعيد بن سلطان، وُلد في عام 1832م، وعاش بزنجبار حتى عام ١٨٥١م، حيث عينه والده السلطان سعيد بن سلطان والياً على صحار، واستمر والياً عليها حتى صدور تحكيم كاننج الحاكم العام للهند، الذي صدر في ٢ أبريل ١٨٦١م وقسم الدولة العُمانية التي أسسها السيد سعيد في عُمان وشرق أفريقيا، بحيث تكون مسقط وتوابعها تحت سلطة السلطان ثويني بن سعيد، بينما تكون زنجبار وممتلكات السيد سعيد في مناطق شرق أفريقيا تحت سلطة السلطان ماجد بن سعيد، وبناء على هذا التقسيم أصبحت صحار تابعة لسلطة السلطان ثويني بن سعيد، غير أن تركي رفض الخضوع لسلطة ثويني مما دفع به إلى سجن أخيه السيد تركي وتعيين ابنه السيد سالم بن ثويني والياً على صحار.تدخلت السلطات البريطانية للصلح بين السلطان ثويني وأخيه السيد تركي، فأطلق سراح السيد تركي في عام 1862م وأعطي مخصصا ماليا، مما أدى إلى تحسين العلاقات بين الأخوين. ورافق تركي أخاه السلطان ثويني أثناء ذهابه للبريمي لمحاربة الوهابيين، غير أن ثويني قُتل في صحار قبل أن يصل إلى البريمي في عام 1866م. وعلى إثر ذلك تولى السلطان سالم بن ثويني الحكم خلال الفترة (1866-1868م) وبعد توليه الحكم قام بسجن عمه السيد تركي، غير أن الحكومة البريطانية تدخلت بين الطرفين، وأطلق سراح. بعد كل تلك الأحداث الموالية، عزم السيد تركي على السيطرة على عُمان والقضاء على سلطة السلطان سالم، متخذا من ينقل مقرا لقيادته، فهاجم صحار، ولكنه لم يتمكن من السيطرة عليها. وفي هذه الأثناء تدخل بيلي المقيم السياسي البريطاني في الخليج للتسويه بين السلطان سالم بن ثويني والسيد تركي، فاتفقا على أن يغادر السيد تركي إلى الهند، مقابل أن يصرف له السلطان مبلغ 7200دولار نمساوي سنويا تستقطع من معونة زنجبار، فسافر السيد تركي إلى مومبي في (11 سبتمبر1867م). عاد تركي بن سعيد إلى عُمان في (مارس 1870م)، وأصبح سلطانا على عُمان بعد وفاة الإمام عزان بن قيس في المعركة التي دارت بينهما، واعترفت به الحكومة البريطانية في ربيع الأول 1288هـ (يونيو 1871م) وصرفت له معونة زنجبار بأثر رجعي من تاريخ توليه الحكم، بعد أن كانت قد أوقفت في عهد الإمام عزان. واجه السلطان تركي بن سعيد بعد توليه حكم عُمان العديد من المشكلات والحروب الداخلية، التي قامت مع المعارضين لسلطته، مثل: السيد إبراهيم بن قيس البوسعيدي والسيد سالم بن ثويني البوسعيدي والسيد عبد العزيز بن سعيد البوسعيدي والشيخ صالح بن علي الحارثي وحمود بن سعيد الجحافي. وقد هاجمت قوات السلطان تركي بن سعيد صحار في (يوليو 1873م) فاستسلم السيد إبراهيم بن قيس، وتنازل عن ساحل الباطنة للسلطان تركي مقابل أن يحصل على مكافأة مقدارها خمسة آلاف دولار نمساوي ومرتب شهري مقداره مائة دولار نمساوي، على أن يسكن وادي حيبي.سعى السلطان تركي إلى تحسين الجهاز الإداري لتحقيق الاستقرار الداخلي في عُمان، فأسس جيشاً نظامياً يتكون من أكثر من ألف جندي موزعين على الحاميات المختلفة، وعين الوزراء والولاة والمستشارين مثل أخيه عبد العزيز، وأسس عددا من الإدارات مثل: إدارة القضاء والعدل، وإدارة شؤون المالية، وإدارة الجيش وشؤون الأمن. كما عمل السلطان تركي على تنويع مصادر دخل الدولة ففرض الضرائب ونظّم الجمارك، وحرص على إيجاد علاقات تجارية بين عُمان والعالم الخارجي، ففي عام ١٨٧٧م أُبرمت اتفاقية تجارية بين السلطان تركي بن سعيد وحكومة هولندا يوفر بموجبه كلا الطرفين للطرف الآخر تسهيلا في الاستيراد والتصدير وتجارة العبور (الترانزيت).تزامنت فترة حكم السلطان تركي بن سعيد في عُمان (1287-1305هـ/1871-1888م) مع فترة حكم أخيه السلطان برغش في زنجبار (حكم:1287-1305هـ/1870-1888م)، وأرسل السلطان تركي بعد توليه حكم عُمان إلى أخيه برغش بن سعيد يطالبه بدفع معونة زنجبار، غير أن حكومة الهند البريطانية تعهدت بدفعها، مما أدى إلى تحسين العلاقة بين الأخوين، وتوطدت العلاقة بين السلطان تركي وأخيه السلطان برغش (١٨٧٠-١٨٨٨م) سلطان زنجبار، واقترح السلطان تركي أن يتنازل عن الحكم لأخيه السلطان برغش فتتوحد عُمان وزنجبار كما كانت عليه في عهد والدهما السلطان سعيد بن سلطان، وبالرغم من أن تلك الفكرة لم يكتب لها النجاح وذلك لموقف السلطات البريطانية الذي حال دون إعادة الاتحاد بين طرفي الإمبراطورية العُمانية، إلا أن الأخوين استمرا على علاقتهما الطيبة وتبادلا الهدايا. وفي مارس ١٨٨٨م زار برغش عُمان واستقبله أخوه تركي بالحفاوة والترحيب. هذا وقد دعم السيد برغش بن سعيد في عام 1301هـ(1884م) أخاه تركي باثنين وثلاثين ألف روبية لسد عجز الخزينة العُمانية، والذي تسبب به هجوم صالح بن علي الحارثي بالتعاون مع السيد عبد العزيز بن سعيد على مسقط في ذي القعدة 1300هـ(أكتوبر1883م)، كما قدم السلطان برغش في عام 1303هـ/(1886م) السفينة السلطاني هدية لأخيه السلطان تركي، إضافة إلى اليخت البخاري (دار السلام) والذي أسهم في تعزيز رقابة السلطان تركي على السواحل العُمانية.توفي السلطان تركي بن سعيد بتاريخ 22 رمضان 1305هـ (3يونيو 1888م)، مخلفاً ثلاثة أبناء، هم: محمد وفيصل وفهد. ابنه الأكبر هو السيد محمد الذي لم يبد استعداداً للحكم سواء خلال حياة والده أو بعد موته؛ ولذلك اختير شقيقه الأصغر فيصل حاكماً. وقد خرج فرع العائلة الذي يحكم عُمان حتى اليوم من السيد فيصل. أما ابنته السيدة تركية، فوُلدت في مسقط ونشأت وتعلمت بها حيث كان والدها سلطاناً على عُمان. تزوجت السيدة تركية زواجها الأول من ابن عمها السلطان حمد بن ثويني سلطان زنجبار ولم تعش معه طويلاً، وبعد ذلك تزوجت أخوه الأكبر السيد حارب بن ثويني وأنجبت منه السيد خليفة الذي أصبح سلطانا في زنجبار خلال الفترة (1911-1960م).

  • أبحرت سفينة صحار من ميناء مسقط بسلطنة عُمان إلى ميناء كانتون بجمهورية الصين الشعبية في 23 نوفمبر 1980م بمناسبة الذكرى العاشرة لاحتفالات سلطنة عُمان بالعيد الوطني إحياءً لتراث عُمان البحري. وقاد السفينة بنجاح الرحالة البريطاني تيم سيفيرين ومجموعة من الملاحين العُمانيين وعلماء لدراسة الكائنات الحية. حيث شكّل موقع عُمان الجغرافي والطبيعي أهمية بالغة في التواصل مع الحضارات القديمة، وساهمت عُمان بدور تاريخي في النشاط التجاري البحري في منطقة الشرق الأدنى القديم وفي صياغة الأحداث التاريخية المهمة لهذه المنطقة، وأصبحت عُمان مهد الملاحة البحرية بفضل الرواد الأوائل للبحارة العُمانيين الذين جعلوا منها قبلة وواجهة بحرية بكثرة سفنها ونوعيتها وبنشاطها التجاري البحري الواسع، فغدا البحر شريان لنشر التواصل بين الأمم. حيث تطل عُمان على مسطحات مائية واسعة كان لها أثر عميق على مسيرتها التاريخية والحضارية كالمحيط الهندي وبحر العرب، وبحر عُمان، والخليج العربي. وتتوافر بها المرافئ الطبيعية التي مهدت لقيام حركة ملاحية بحرية واسعة شكّلت حلقة وصل بين أعرق حضارات العالم القديم، كبلاد الرافدين والهند والسند وفارس والصين وصولاً إلى مناطق البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وسواحل شرق إفريقيا منذ العصر الحجري الحديث والبرونزي والحديدي والعصور الوسطى وصولاً إلى العصر الحديث. ويبلغ طول السواحل العُمانية حالياً 3165 كم، وشهدت الملاحة البحرية اهتماماً بالغاً وتطوراً مستمراً من حيث التوسع والكفاءة، في بناء السفن الحديثة والقواعد البحرية والموانئ والمرافئ البحرية على طول الساحل العُماني لتلعب دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية لسلطنة عُمان.وإحياءً لتراث عُمان البحري أبحرت بعض السفن الشراعية منها سفينة صحار عام 1980م إلى الصين، وجوهرة مسقط عام 2010م إلى سنغافورة، احياءً للمسار البحري القديم وتوثيقاً للعلاقات العُمانية البحرية عبر التاريخ. وخصّص جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- اليخت السلطاني فُلك السلامة عام 1990م للقيام برحلة تاريخية نظمتها اليونسكو تحت عنوان: (دروب الحوار بين الحضارات)، وقطعت السفينة المسافة بين مدينة البندقية في إيطاليا وصولاً إلى مدينة أوساكا في اليابان على امتداد طريق الحرير البحري. كما قامت السفن البحرية العُمانية ومنها الشراعية كشباب عُمان الأولى والثانية وزينة البحار، وكذلك السفن: قاهر الأمواج، والنجاح، ونصر البحر، والمؤزر بزيارة العديد من موانئ العالم وشاركت في المسابقات الدولية البحرية تعزيزاً للعلاقات الودية وأواصر الصداقة والمحبة والسلام التي تربط عُمان بمختلف دول العالم تجسيداً لدور عُمان البحري، فكانت عُمان ولا زالت مهداً للملاحة البحرية وأرضاً للسلام والمحبة والوئام والصداقة لجميع شعوب العالم.ونقتبس من خطاب جلالة السلطان قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- في العيد الوطني السادس والعشرين، 18 نوفمبر 1996م: "نود ونحن على مقربة من تلك السواحل المضمّخة برائحة السفن العتيقة في أن نعبر بادئ الأمر عن اعتزازنا العظيم بتاريخ عُمان البحري الذي سطّرته تلك الصواري الشامخة التي اندفعت في ذلك الماضي الموشّى بالمجد، من مختلف الموانئ العُمانية، تمخر العباب المتلاطم في طموح فتي، مجسدة قوة هذا البلد وقدرته، وهيبته وعزّته، ورغبته في التواصل مع حضارات الأمم كلها، القريبة منها والبعيدة. كما نود بعد ذلك أن نذكّر الأجيال الصاعدة بتلك الهمّة العالية لأجدادهم الأمجاد الذين ركبوا صهوات البحار. وشقّوا أمواجها العاتية، ونازلوا عواصفها الهائجة، طلباً للعيش الكريم، ورغبة في العمل الشريف، وإن كانت تكتنفه الصعاب، وتحيط به المشاق من كل جانب".الجدير بالإشارة أن وزارة التراث والثقافة وثقت رحلة السفينة صحار إلى الصين في عام 1980م من خلال كتاب في سلسلة تراثنا بعنوان: "في أعقاب السندباد"، كتبه قبطان السفينة تيم سيفيرين، ويتضمن الكتاب مقدمة لصاحب السمو السيد فيصل بن علي آل سعيد وزير التراث والثقافة، مما جاء فيها: "ومما لا شك فيه أن سفينة صحار بنيت على النفقة الخاصة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، ورعت هذا العمل منذ البداية وزارة التراث والثقافة التي سخرت الكثير من وقتها وجهدها لإنجاح مشروع الرحلة". ويضيف: "وفي الحقيقة أن السفينة صحار بنيت في مدينة صور بالمنطقة الشرقية من البلاد، وذلك بالطرق التقليدية التي كان يمارسها العُمانيون منذ أقدم الأزمنة حيث بنيت بألواح من الخشب العيني القوي والمشدود بحبال جوز الهند دون استخدام للمسامير الحديدية، وقد طليت السفينة من الخارج بمزيج من الجير والصمغ الشجري، ومن الداخل بزيت نباتي". وقد أشار سموه أن طول السفينة يبلغ 87 قدماً وبها شراعان كبيران وشراع ثالث في مقدمتها وسارية رئيسية طولها 75 قدماً، أما وزن السفينة فهو طن واحد، واستغرق بناؤها 165 يوماً.وعقب إبحار سفينة صحار في 23 نوفمبر 1980م مرّت السفينة بشواطئ الهند وسيرلانكا وأندونيسيا وماليزيا والصين حتى وصولها إلى كانتون في 10 يوليو 1981م حيث استغرقت الرحلة سبعة أشهر ونصف قطعت 6000 ميل بحري. وبعد وصول السفينة مباشرة أُقيم احتفال رسمي وشعبي كبير في مدينة كانتون حضره سمو السيد فيصل بن علي آل سعيد وزير التراث والثقافة، وسعادة الشيخ مستهيل بن أحمد المعشني وكيل وزارة شؤون الديوان السلطاني وعدد آخر من أعضاء الوفد العُماني. كما حضره عن الجانب الصيني محافظ مدينة كانتون ووزير العلاقات الثقافية الصيني وعدد آخر من المسؤولين الصينيين وجموع غفيرة من أبناء الشعب الصيني.ولا شك أن رحلة سفينة صحار كانت رحلة تاريخية مهمة أعادت لعُمان ما كان لها من دور حضاري رائد في ميدان الملاحة البحرية والتجارة الدولية التي اشتهرت بها منذ القدم، ويذكر تيم سيفيرين هذه الحقيقة بقوله: "أننا قد أنجزنا ما عقدنا العزم على إنجازه واقتفينا أثر قصص السندباد وقطعنا ربع المسافة حول العالم كل ذلك جعل رحلة السندباد العُماني واقعاً حقيقياً".الجدير بالذكر أيضا، في نوفمبر 2021م أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي على قائمة الشخصيات المؤثرة عالمياً، وذلك بمناسبة مرور 600 عام على ميلاده. حيث يعد الملاح العُماني شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد السعدي، أشهر ملاحي عُمان والعرب، ولد في عام 821هـ/ 1418م، وتوفي في عام 906هـ/ 1501م. يعد ابن ماجد مؤسس قواعد علم الملاحة البحرية، ومطور الإبرة المغناطيسية (البوصلة الملاحية) المستخدمة في تحديد الاتجاهات البحرية، ومخترع آلة الوردة التي تستخدم في تحديد اتجاهات الرياح أثناء الإبحار، ومخترع آلة الخشبات الثلاثة لقياس النجوم، ومكتشف الطريق البحري الذي يربط الساحل الشرقي للقارة الأفريقية بالهند وسيلان وجاوة. وقد ترك ابن ماجد آثارا علمية في علوم البحار جاوزت 40 كتابا ومنظومة وأهمها: الأرجوزة التائية، والأرجوزة السفالية، والأرجوزة المعلقية، ومن أشهر مؤلفاته أيضا كتاب "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد". وانتشرت مؤلفاته في المكتبات الأوربية، وترجمت إلى عدة لغات، وبنيت عليها أساليب الملاحة الأوروبية الحديثة.ختاماً، لكل تلك الإنجازات عبر التاريخ الإنساني عُرف العُمانيون بأنهم أسياد البحار.

  • السلطان الذي وُقعت في عهده الاتفاقية الإنجليزية-الألمانية (هليجولاند-زنجبار) هو السلطان السيد علي بن سعيد البوسعيدي (١٣٠٧-١٣١٠هـ/ ١٨٩٠-١٨٩٣م)، وهو الابن الثامن عشر من بين الأبناء الاثنين والعشرين المعروفين للسيد سعيد بن سلطان. وُلد السلطان علي بن سعيد في مسقط عام ١٢٧٠هـ/ ١٨٥٤م. والدته تدعى نور الصباح. وكان السيد علي يسمى السيد منين ولما توفى أخوه الأكبر (علي) سُمي باسمه. للسيد علي ابن اسمه سعيد، وأربع بنات: علية، ونونو، وغالية، وشريفة. يُعد السلطان علي بن سعيد رابع سلاطين الأسرة البوسعيدية في سلطنة زنجبار، وتولى الحكم بعد وفاة أخيه السلطان خليفة بن سعيد في ٢٧ جمادى الثانية ١٣٠٧هـ/ ١٨ فبراير ١٨٩٠م.ومن أهم الأحداث التي وقعت في عهد السلطان علي بن سعيد هو توقيعه على اتفاقية الحماية البريطانية في عام 1890م، فكانت بداية حكمه نهاية السيادة العُمانية على زنجبار؛ إذ أعلنت بريطانيا مع توليه العرش حمايتها على زنجبار بالاتفاق معه، مستغلة مخاوف السلطان علي من الأطماع الألمانية، فوافق على ذلك ممهداً الطريق لعقد الاتفاقية الإنجليزية-الألمانية في يوليو 1890م والتي أقرت فيها ألمانيا بحق بريطانيا في السيطرة على زنجبار مقابل تنازل بريطانيا لها عن جزيرة هليجولاند في بحر الشمال وهكذا تم في 4 نوفمبر 1890م إعلان بريطانيا رسمياً حمايتها على كل من جزيرتي زنجبار وبمبا، وفي 7 نوفمبر رُفع العلم البريطاني بجانب العلم الزنجباري على سارية الديوان الملكي في زنجبار. وتم في ذلك اليوم منح السيد علي وسام الجدارة البريطانية. ومن جهة أخرى وجد السلطان نفسه مرغماً في سبتمبر 1890م على الرضوخ لطلب ألمانيا بيعها الشريط الساحلي بين نهري أومبا وروفوما لتجد لمحميتها تنجانيقا منفذاً على البحر، وذلك مقابل 200000 جنيه إسترليني، تحت ضغط القنصل البريطاني في زنجبار.وقد شهد عهد السلطان علي بن سعيد تدخلاً كبيراً للإنجليز في الشؤون الداخلية لسلطنة زنجبار، حيث حثّ القنصل البريطاني السلطان علي بن سعيد على توقيع اتفاق بلجيكا ضد تجارة الرقيق في يوليو 1890م، فأصدر مرسوماً متشدداً ضد تلك التجارة مما أثار غضب الكثيرين لتأثيره السلبي على العمل الزراعي، ويذكر ذلك المؤرخ المغيري في كتابه: "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار"، بقوله: "ومن الحوادث التي حدثت في أيامه، أنه أصدر منشوراً بإدارة الجمارك، منع استعمال الرقيق والتجارة فيهم في داخلية البلاد. ولما علم العرب بهذا المنشور ركضوا إلى المكان الذي ألصق المنشور بالجمرك، ومزقوه، وانضم إليهم جماعة القمريين، وخاف السلطان علي على نفسه من ذلك، وخشي وقوع حادث عليه، فالتجأ بالقنصل الإنجليزي، وطلب منه أن يحميه وبلاده". وهو ما حدث فعلاً بوقوع زنجبار تحت الحماية البريطانية بموجب الاتفاقية التي وقعها السلطان علي بن سعيد في عام 1890م.تحولت حماية بريطانيا لزنجبار إلى سيطرة على الشؤون الداخلية، ومن جوانب ذلك التدخل التغيرات التي أحدثها المبعوث البريطاني جيرالد بورتال في 1891م حيث فرض على السلطان ما عُرف بالقائمة المدنية التي بموجبها حُدد له راتب شهري قدره 18000 روبية، أنقصت بعد شهور إلى 17283 روبية ثم إلى 10000 روبية بنهاية عام 1892م بحجة أن تلك المبالغ يصرفها السلطان على حاشية عاطلة لا تعمل شيئاً. كما جرّد السلطان من سلطاته الإدارية ووزعت على أقسام إدارية يرأسها موظفون بريطانيون تحت إمرة الوزير الأول. وتمّ اختيار بريطاني أيضاً هو لويد ماثيوز الذي كان قائد جيش زنجبار، لمنصب الوزير الأول للحكومة مع حرمان السلطان من حق إقالته دون الرجوع للحكومة البريطانية ممثلة في القنصل العام بزنجبارومن الإجراءات التي قام بها السلطان علي بن سعيد تطبيق الضرائب على البضائع القادمة إلى زنجبار من بمبا (الجزيرة الخضراء)، وذلك في رمضان 1309هـ/ مارس 1892م، وإزاء ذلك ذهب وفد من بمبا إلى السلطان علي يطلبون منه إزالة تلك الضرائب فاستجاب إلى طلبهم، ومما جاء في رسالته إليهم: "أهل الجزيرة الخضراء، سلام عليكم، أما بعد، فقد أنعمنا عليكم برفع المعشرات الزائدة".تُوفى السلطان علي بن سعيد في الساعة الثامنة والنصف ليلة الاثنين 16 شعبان 1310هـ/ 6 مارس 1893م، عن عمر يناهز 39 عاماً، وبلغت مدة حكمه ثلاث سنوات، وخلفه في الحكم ابن أخيه السلطان حمد بن ثويني (1310-1314هـ/ 1893-1896م).





  • حصن الخندق أو (البريمي): تحصين حربي دفاعي أثري يقع في ولاية البريمي بمحافظة البريمي وله موقع استراتيجي مهم، حيث يطل على وادي الجزي الذي يربط مدينة صحار بمدينة البريمي من الناحية الغربية. يعود تاريخ بناء الحصن إلى النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري (النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي)، والمرجح أن بانيه هو السلطان سعيد بن سلطان مؤسس الإمبراطورية العُمانية في التاريخ الحديث، بدليل أن اسمه منقوش على المدافع الموجودة في الحصن، فبالقرب من البوابة الخارجية يوجد مدفع من النحاس الأصفر كقطعة من أسلحة الميدان عليه اسم السيد سعيد بن سلطان وتاريخ 1258هـ باللغة العربية والتاريخ 1842م بالإنجليزية. وهو أحد المدافع التي أحضرها السيد سعيد بن سلطان من أمريكا بسفينته الحربية «سلطانة» التي زارت نيويورك في عام ١٨٤٠م، وقد تم إحضار المدفع إلى الحصن من صحار بواسطة الإمام عزان بن قيس البوسعيدي. بني حصن الخندق من الطين والآجر والحجارة، وسُقِّف بجذوع النخيل والكندل. وجُدِّد في عهد الإمام عزان بن قيس البوسعيدي (1868-1871م)، وكانت شؤون الولاية تدار منه. وقد رممت وزارة التراث القومي والثقافة الحصن عام 1993م، وافتتح للزوار والسياح عام 1994م. ونقترب أكثر من حصن الخندق حيث يعد من الحصون الأمامية لعُمان التي كان لها دور بارز في التاريخ الحربي. أما تسميته بالخندق فسُمّي بهذا الاسم لأن خندقاً واسعاً عرضه 5.7م وعمقه حوالي 3م يحيط به، بالإضافة إلى تحصينه بالمتاريس التي يبلغ ارتفاعها 5.2م. وقد جمع الحصن بين وظيفة مدنية وأخرى دفاعية إذ أنه كان يستخدم كقصر للسكن شأنه في ذلك شأن بقية الحصون الأخرى كجبرين في بهلا وبيت النعُمان وحصن الفليج في بركاء، والحزم في الرستاق وغيرها من التحصينات لتي شيدت لتكون قصورا محصنة تمارس من خلالها أيضا المهام الرسمية. واستمر الحصن يؤدي دوره في الدفاع عن المنطقة بعد ذلك حيث استخدم من قبل السلاطين اللاحقين فقد استخدم في عهد السيد ثويني بن سعيد بن سلطان والسيد سالم بن ثويني بن سعيد والإمام عزان بن قيس بن عزان بن قيس بن الإمام أحمد وذلك أثناء قيامه بمحاربة أهل نجد.ويتخذ الحصن شكلاً مربعاً، وهو مكون من 4 أبراج دائرية تقع في أركانه الأربعة، هي: البرج الشمالي الشرقي والبرج الجنوبي الغربي، والبرج الشمالي الغربي والبرج الجنوبي الشرقي. ونلاحظ أن كل برجين يقعان على قطر واحد يتشابهان في الشكل المعماري والزخارف مع فوارق بسيطة، فالبرج الشمالي الغربي يتشابه مع البرج الجنوبي الشرقي والبرج الشمالي الشرقي مع البرج الجنوبي الغربي. وتصل بين الأبراج الأربعة أسوار عالية تحيط بالغرف البالغ عددها حوالي عشر غرف تتوزع على ساحات الحصن وأبراجه، وتتنوع استخدامات هذه الغرف. وتبلغ مساحة الحصن حوالي 3070 متر مربع ويحيط بالحصن خندق وسور من جميع الجهات ويوجد به بوابتان شرقية وأخرى في الجهة الشمالية. كما يشتمل الحصن على العديد من العناصر التحصينية الحربية المعروفة من الخندق إلى الأسوار والأبراج والسقاطات والمزاغل والشرافات على الأسوار وفتحات رمي السهام والبنادق والمدافع وغيرها. ويضم كذلك عناصر اتصال وحركة من سلالم مؤدية لأسطح الأبراج والغرف بالإضافة إلى السلالم المؤدية إلى سطح السور والمرقاة، والزلاقات والدرج المائل المتسع بطريقة أفقية بقدر الإمكان. ويحتوي الحصن على بعض المداخل والممرات والدهاليز وأماكن للخيول وثكنات للجند بالإضافة إلى مصدر للماء عبارة عن بئر بالإضافة إلى الفلج وسجن ومصلى. وهناك حمامات ومخازن للأسلحة والمؤن وفناء وغير ذلك من عناصر المنفعة. أما الخندق الذي يميز الحصن فيبلغ عرضه 5,7م وعمقه حوالي 3م وجداره الداخلي مبطن بالطوب الطيني. أما المتاريس المحيطة بالخندق فيبلغ ارتفاعها 5,2م في حين أن سماكتها متر واحد عند القاعدة. ونلاحظ أن جداره الداخلي يرتفع على جداره الخارجي. وهو معمول بطريقة مدورة من الأعلى ليصعب من تسلقه، كما يشتمل هذا الجدار الداخلي للخندق على فتحات ومرام للسهام والبنادق صغيرة الحجم منكسرة إلى الأسفل مباشرة باتجاه الخندق لكي يسهل من خلالها رمي المهاجمين بالإضافة إلى وجود فتحات أخرى تعلوها مثلثة الشكل صغيرة الحجم. ولقد كان هذا الخندق وما زال مربوطا بالأفلاج القريبة منه في منطقة المزارع حيث يتم من خلال تلك الأفلاج ملء الخندق بالماء أثناء الخطر وهجوم الأعداء. الخندق به مجرى مائي للفلج حيث إنه مربوط بالأفلاج الموجودة بالقرب منه في بساتين النخيل المجاورة، ففي أثناء الخطر يتم فتح الفلج في الخندق لملئه بالماء، ويأخذ الخندق الشكل الدائري محيطا بالحصن. عموماً، تعد القلاع والحصون مفردات مهمة في العمارة العُمانية ولها دلالات كثيرة؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وهي وجه من وجوه الحضارة العُمانية الراسخة وعنصر مهم من عناصر ثقافتها وهويتها. كما أنها اليوم تشكل مصدر من مصادر السياحة ورافد مهم للاقتصاد العُماني.

  • قرية حرامل الواقعة في مدينة مسقط، تعد أول منطقة عُمانية استخدمت للحجر الصحي عام 1897م عندما انتشر الطاعون الدبلي في جوادر (مدينة باكستانية كانت تحت الحكم العُماني)، الأمر الذي دعا السلطان فيصل بن تركي لفرض الحجر الصحي لمدة تسعة أيام على السفن القادمة من جوادر قبل دخولها موانئ مسقط ومطرح. وهو ما تشير إليه الوثائق، حيث اتخذ السلطان فيصل إجراءات وقائية لمقاومة وصول الأمراض الوبائية المعدية ومنها الكوليرا والطاعون والجدري وغيزها إلى السلطنة وذلك بمساعدة من القنصلية البريطانية في مسقط، تمثلت في منع نزول الأشخاص والأدوات، غير البريد، من السفن التي تحمل مصابين بالطاعون أو حتى مشتبهًا بهم، كما اشترط على ركّاب السفن السليمة بأن يُحتجزوا تحت المراقبة في منطقة حرامل لمدة تسعة أيام. وهذه الإجراءات جاءت بعد تشكيل لجنة من قبل السلطان فيصل بن تركي للتعامل مع تلك الأمراض، فأقرت بدورها إنشاء حجر صحي بقرية حرامل بمسقط. ووضع بالقرية مجموعتين من غرف العزل: واحدة للرجال والثانية للنساء والأطفال، ويطلق عليها الأهالي اسم "الكرتينات" من الكلمة الأجنبية (Quarantine) وهي مبنية من الحجر والطين، وتقع بجوار الجامع الحالي مقابل البحر. وتحتوي غرف الحجر الصحي على عدد كبير من النوافذ التي تسمح بدخول الهواء من جهة البحر، واستخدمت هذه الغرف لعزل المرضى والمشتبه في إصابتهم، وأشار الباحث العُماني فهد الرحبي في كتابه: "عُمان في عهد السلطان فيصل بن تركي" أن المبنى بقي حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، قبل أن يُهدم للتوسع العمراني، وبسبب تهدم جوانبه وعدم الاهتمام به.أما عن الأسباب التي دعت إلى اختيار قرية حرامل لإقامة الحجر فيها؛ فيعود ذلك إلى طبيعتها الجغرافية المتمثلة في كونها قرية ساحلية صغيرة محاطة بالجبال من ثلاث جهات والبحر من الجهة الرابعة، وسهولة الوصول إليها من مسقط، التي تبعد عن مركز المدينة ميلا ونصف الميل، وبالتالي سهولة السيطرة عليها ومراقبتها. بالإضافة إلى أنها لم تكن مأهولة بالسكان، وكان يقطنها عدد قليل جدا من الصيادين في تلك الفترة، وجاءت تسميتها نسبة لنوع من المرجان يطلق عليه حرمل، يلفظه البحر عند الجزر. وفترة الحجر كانت في حدود تسعة أيام، ولم يكن من المسموح فيها مخالطة المرضى أو الاقتراب منهم، وفي هذا الوقت تم توفير كل المستلزمات لهم، والمتمثلة في المؤونة والغذاء وطبيب للرعاية الصحية وحارسين من أبناء قرية حرامل، حيث كان يمنع نزول ركاب السفن التجارية القادمة للموانئ العُمانية، على أن تتم عملية تفريغ البضائع عن طريق البحارة أنفسهم وعدم الاختلاط مع عمال الموانئ.قرية حرامل تجعلنا نعود للوراء قليلاً ونستذكر بعض المشاهد من تاريخ الدولة البوسعيدية حول أمراض فتكت بالكثير من البشر ولم يكن هنالك الكثير من الإجراءات سواء الاحترازية ولا الوقائية ولا العلاجية.المشهد الأول:

    أبٌ مكلوم بفقد ابنه وهو في ريعان الشباب والقوة والسلطة؛ حيث يرثي الإمام سعيد بن أحمد ابنه السيد حمد بأبيات تعتصر ألماً ووجْداً على فراق ابنه، فيقول: "وافى حِمامك يا حبيبي بالعجل نار توقد في الضمير وتشتعل". ويؤرّخ ابن رزيق في فتحه المبين تلك الحادثة بأنَّ السيد حمد بن سعيد اشتكى من اشتداد الحُمّى عليه وظهور الجدري بجسده. ويذكر ابن رزيق أنَّ الإمام سعيد ذهب إلى مسقط قادماً من الرستاق بعد أن وصلت له رسالة ابنه حمد، فوجده في ألم شديد من الجدري. ولم يمكث السيد حمد طويلاً بعد مرضه، وتوفاه الله في ٨ رجب ١٢٠٦هـ/ فبراير ١٧٩٢م، ودُفن وقت الضحى في ظهر الوادي الأوسط من بلدة مسقط.المشهد الثاني:

    سيدة عُمانية وأميرة عربية تستذكر تاريخها في الغربة، وتستمطر ذاكرتها لتدوين ما يُمكن تدوينه عن وطنها الأم جزيرة القرنفل التي وُلدت ونشأت فيها. إنها السيدة سالمة (ت: ١٩٢٤م) ابنة السلطان سعيد بن سلطان سلطان عُمان وزنجبار وملحقاتها. حيث دوّنت السيدة سالمة في مذكراتها مشاهد الأوبئة التي فتكت بالآلاف من أبناء جلدتها، وأفقدتها الكثير من الأصدقاء والأحباء. ونستحضر بعض ما كتبته، حيث تقول: "أريد هنا أن أتناول شيئاً واحداً حول بعض الأمراض. ينتشر الجدري في زنجبار بشكل مُستمر للأسف ويذهب ضحيته الآلاف". وفي مقطع آخر تقول: "أما السُّل فلم يكن ضيفاً نادراً أيضاً في جزيرتنا... لقد عانت واحدة من زوجات أبي، وهي شابة رائعة الجمال معاناة لا توصف من هذا المرض... لقد راح ضحية هذا المرض الغادر عدد غير قليل من أحبائي في ريعان الشباب". وقد توفي أخوها السيد خالد في عام 1854م بمرض الجدري وكان خبر وفاته صاعقاً ومباغتاً على والده السلطان سعيد الذي كان يعده لتولي الحكم من بعده وكان نائبه في زنجبار عند سفره إلى مسقط.المشهد الثالث:

    فرحة عارمة تغمر جزيرة القرنفل! أخيراً هنالك مياه نقية لسكان الجزيرة بعد سنين طويلة من شربهم المياه الملوثة، التي كانت بيئة حاضنة لمسببات الأوبئة وأودت بحياة آلاف الضحايا من سكان الجزيرة، وعلى رأسها الكوليرا. هذا ما تحقق في عهد نادرة سلاطين زنجبار السلطان برغش بن سعيد (1287-1305هـ/ 1870-1888م) الذي قدّم مشروعاً إنسانياً في المقام الأول من خلال مدَّ خط أنابيب للمياه من نبع (شيم شيم) إلى المدينة لتوفير المياه النقية للسكان، وذلك في عام 1298هـ/ 1881م؛ حيث تمَّ شقُّ فلج بالاستعانة بالشيخ محمد بن سليمان الخروصي العُماني. وقد أسهم هذا العمل الجليل في القضاء على الأوبئة التي كانت تحصد الكثير من الأرواح، ومنها: الكوليرا، والطاعون؛ وذلك من خلال مُعالجة أهم سبب في انتشارها وهي المياه الملوثة.المشهد الرابع:

    بندر مطرح حيث السفن والبضائع والمسافرين، ومع هذا المشهد نستحضر عهد السلطان فيصل بن تركي (1305-1331هـ/ 1888-1913م)، فقد واجه السلطان فيصل تحدياً جسيماً على المستوى الصحي تمثل في كثرة الأوبئة (الطاعون، الجدري، الكوليرا، الجذام) التي انتقلت إلى عُمان من السفن القادمة إليها من الهند وزنجبار وجوادر. وهو ما أدى إلى اتخاذ إجراءات حازمة من السلطان فيصل ليتم السيطرة عليها في النهاية. ومن تلك الإجراءات إصدار قانون في ١٣ يناير ١٨٩٧م تضمّن إجراءات متنوعة ومتدرّجة من الحَجْر الصحي المؤسسي بدأ تطبيقها تدريجياً في مسقط وجوادر، ثم تمَّ التوسع فيها لتشمل معظم الموانئ العُمانية التي كانت بوابة العبور لتلك الأوبئة إلى عُمان. كما قام السلطان فيصل في عام ١٨٩٩م بإقامة محجر صحي على القوافل القادمة من داخلية عُمان باتجاه مسقط؛ وذلك للحدّ من انتشار وباء الكوليرا، وهو بذلك قام بإغلاق احترازي لمسقط لفترة زمنية مُحددة.فمن تلك المشاهد التاريخية المؤلمة استلهم العُمانيون الدروس والعِبر في كيفية التعامل مع وباء كورونا (كوفيد-19)، ليكون التاريخ مُلهماً ومعلماً، فكان العُمانيون على مستوى الحدث الطارئ والتحدي الصعب. وفي ختام المشاهد يمكننا القول: "في عام ٢٠٢٠م واجه العُمانيون محنة وحدثاً جسيماً تمثل في وباء يدعى (كورونا)، ولكن بفضل إدارتهم وإرادتهم خرجوا من تلك المحنة بأقل الخسائر البشرية، وبالكثير الكثير من القوة والحكمة".



  • الجزيرة التي تلقب بجزيرة القرنفل هي جزيرة "زنجبار"، وهي الجزيرة التي اتخذها السلطان سعيد بن سلطان عاصمة لأملاكه في شرق أفريقيا منذ عام 1832م. وقد شكل ذلك حدثاً فارقاً في تاريخ زنجبار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتحولاً مهماً في حياة أهلها الأصليين من الأفارقة وسكانها العرب القدامى والجدد. ولعل من أبرز التحولات التي رافقت استقرار السيد سعيد في زنجبار هو التوسع في زراعة القرنفل، وتشجيع السيد سعيد على زراعته في كل من زنجبار وبمبا (الجزيرة الخضراء) حتى أضحى القرنفل هو المحصول الرئيس الذي تنتجه زنجبار.متى دخل القرنفل إلى زنجبار؟

    يوجد خلاف بين المؤرخين حول الكيفية التي أدخلت بها زراعة القرنفل إلى زنجبار، وتاريخ حدوث ذلك؛ ويعود سبب هذا التباين في الروايات إلى أن القرنفل لم يجلب الانتباه في زنجبار إلا بعد زراعته على نطاق واسع وبعد أن أصبحت له جدوى اقتصادية في الجزيرة. تقول إحدى الروايات إن القرنفل "أُدخل إلى زنجبار عن طريق عدد من التجار الفرنسيين العاملين في تجارة الرقيق"، بينما يرى آخرون أن تاجراً فرنسياً اسمه ساوس هو من أدخل القرنفل إلى زنجبار، وجلبه من إحدى الجزر القريبة الواقعة تحت السيطرة الفرنسية. وهناك روايات تقول إن: "القرنفل جلب من جزيرة موريشيوس الفرنسية، وإن أحد العرب العُمانيين ويدعى صالح بن حريمل العبري هو من قام بذلك في العام 1818م".ويورد المؤرخ المغيري في كتابه جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار روايتين حول إدخال القرنفل إلى زنجبار: الأولى مفادها أن السيد سعيد بن سلطان أرسل شخصاً اسمه صالح بن حريمل لكي يجلب بذور القرنفل من بعض جزر الهند. أما الرواية الثانية فتقول إن: "عبد العلي العجمي هو الشخص الذي أرسله السيد سعيد لإحضار شتلات القرنفل من جزيرة موريشيوس"، وكان ذلك في العام 1828م. إن رواية المغيري الخاصة بتاريخ إدخال القرنفل إلى زنجبار تبدو ضعيفة أمام التقارير التجارية للدول التي كان لها نشاط تجاري في شرق إفريقيا. إذ يذكر أن أول كمية من القرنفل الزنجباري صُدرت في العام 1832م، لذا فإن فترة أربع سنوات (1828-1832م) غير كافية لإنبات القرنفل وتصديره، فالقرنفل نبات بطيء النمو، ويحتاج من ست إلى ثمان سنوات لينضج، وهو من الأشجار المعمرة؛ إذ يصل عمر شجرة القرنفل إلى أكثر من 100 عام.وتشير تقارير بومباي التجارية إلى أن كميات قليلة من القرنفل استوردت من زنجبار بين أعوام 1823 و1833م، بينما تشير تقارير التجار الأمريكيين إلى أن أول شحنة من قرنفل زنجبار صُدرت إلى أمريكا كانت في عام 1830م، لذلك فإن الأرجح أن عام 1818م كان هو عام ظهور القرنفل في زنجبار.كان العدد الأكبر من مزارع القرنفل في زنجبار ملكاً للسلطان سعيد وأفراد الأسرة الحاكمة؛ إذ يذكر أن ثلثي إنتاج القرنفل في زنجبار كان مصدره مزارع السلطان سعيد. ولم يقتصر امتلاك مزارع القرنفل الشاسعة على البوسعيديين، بل إن قبائل أخرى مثل الحرث وبني ريام والمزاريع كان أفرادها يملكون مساحات واسعة من مزارع القرنفل. كان اهتمام السيد سعيد بالقرنفل والتوسع في زراعته بعد نجاح التجربة نابعاً من إدراكه للقيمة الاقتصادية للقرنفل وقدرة هذا المحصول على دعم مكانة زنجبار التجارية، فأمر السيد سعيد كل صاحب مزرعة من العرب بغرس ثلاث شجرات من القرنفل بدلاً من كل شجرة نارجيل (جوز الهند). من هنا بدأ القرنفل يشكل نقطة تحول كبيرة في حياة العُمانيين الاقتصادية في زنجبار؛ فنجاح المحصول وما جلبه من ثراء دفع الكثير من العُمانيين إلى التحول من التجارة إلى الزراعة، ومن قادة للقوافل التجارية إلى مُلاك للأراضي.كان من نتائج اتجاه العُمانيين إلى الزراعة تحولهم إلى حياة الاستقرار بدلا من حياة التجول والترحال التي تقوم عليها التجارة، ولعل ربط المغيري مسألة تطور العمارة في مدينة زنجبار بما تمثله من قصور ومساجد ببدء زراعة القرنفل يدلنا على مظهر ذلك التحول، وكيف أن الثراء الذي وفره القرنفل كان الدافع للاستقرار وتطور العمران. عموماً، إن زراعة القرنفل في زنجبار كان لها آثار اجتماعية واقتصادية عميقة على سكان زنجبار بشكل عام والعُمانيين بشكل خاص. وأصبحت زنجبار من خلال القرنفل ميناءً رئيسياً على السواحل الشرقية لإفريقيا بعد أن كانت جزيرة صغيرة تزورها السفن التجارية لأخذ الماء وبعض الحاجات.يذكر المغيري في كتابه "جهينة الأخبار" عن دور القرنفل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان زنجبار، إذ يقول: "لقد بقيت شجرة القرنفل مأثرة جديدة من مآثر السيد سعيد، وهي والحق يقال إنها الغاية في الحسن والجمال، ومأثرة تخلد اسم ذلك الرجل الذي لولاه لم تكن زنجبار شيئاً مذكوراً...". ويضيف: "... إن مهاجرة العرب العُمانيين وغير العُمانيين وسائر الأجناس إلى زنجبار إنما هي من جوانب أسباب وجود شجرة القرنفل، وليس من البعيد لولا وجود هذه الشجرة في زنجبار أن ينقطع المهاجرون عنها من العرب وغيرهم..."يذكر الكاتب صامويل أياني في كتابه (تاريخ زنجبار): "إن تاريخ زنجبار كتبته الرياح"، وتعقيباً عليه يقول الباحث العُماني الدكتور سليمان الكيومي: "إن جزءاً آخر من تاريخ زنجبار كتبته أشجار القرنفل".ختام القول، عاشت زنجبار "جزيرة القرنفل" عصرها الذهبي في ظل الحكام العُمانيين وازدهرت اقتصاديا وثقافيا، حيث أسس العُمانيون فيها حضارة معمارية وثقافية، جعلت منها وجهة للهجرة والاستقرار، حتى أطلق البعض عليها (أندلس أفريقيا). ولم تأت هذه التسمية اعتباطا، ولكنها أكدت الدور الذي لعبه العُمانيون في بناء حضارة عُمانية أفريقية، ولم يكن هدفهم فقط السيطرة على الحكم، ولكنهم اهتموا بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونهضوا بالثقافة والتراث، وساهموا في نشر الإسلام في جزيرة زنجبار وباقي الجزر.





















  • جدة السلطان قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- من جهة والده هي السيدة فاطمة بنت علي البوسعيدية. حيث تنتمي السيدة فاطمة نسباً للأسرة البوسعيدية الحاكمة، فهي ابنة السيد علي بن سالم بن ثويني بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد البوسعيدي. ولدت السيدة فاطمة في عام 1308هـ/ 1891م في زنجبار في عهد حكم السلطان علي بن سعيد البوسعيدي (1890-1893م) رابع سلاطين الأسرة البوسعيدية في سلطنة زنجبار، وبعد وفاة السلطان علي اعتلى عرش زنجبار عم والدها؛ السلطان حمد بن ثويني (1893-1896م). وكان يعتلي عرش عُمان عند ولادتها السلطان فيصل بن تركي (1888-1913م). وُلِد والدها السيد علي بن سالم بن ثويني بن سعيد البوسعيدي في مسقط ونشأ في كنف والده السلطان سالم وجده السلطان ثويني، ثم انتقل السيد علي إلى شرق أفريقيا، وتحديداً إلى زنجبار؛ بسبب الأوضاع غير المستقرة في عُمان بعد سلسلة من الأحداث الصعبة المتمثلة في وفاة السلطان ثويني، وتولي السلطان سالم الحكم ثم توجهه إلى الهند بعد مبايعة الإمام عزان بالإمامة، ثم وفاة الإمام عزان وتولي السيد تركي الحكم بعُمان في عام 1871م.توفيت والدة السيدة فاطمة وهي صغيرة السن فقامت بتربيتها ورعايتها السيدة علياء ابنة السلطان برغش بن سعيد ثاني سلاطين الأسرة البوسعيدية في سلطنة زنجبار (1870-1888م)، فنشأت السيدة فاطمة في القصور السلطانية ومدارسها العلمية، وأجواء الحلقات العلمية في المساجد، بوجود نخبة من العلماء والمفكرين والمثقفين التي احتضنتهم زنجبار، حيث كانت يومئذ مركز إشعاع علمي وثقافي. لقد هيأت ظروف النشأة الأولى للسيدة فاطمة مناخًا علميًا وثقافيًا محفزاً وداعماً لتشكيل فكرها وبناء شخصيتها؛ فتعلّمت القراءة والكتابة وحفظت أجزاء من القرآن الكريم، ومكّنها ذلك لاحقًا من القيام بمسؤوليات وأدوار مؤثرة في العائلة المالكة والأسرة البوسعيدية.عادت السيدة فاطمة إلى عُمان في عام 1898م وكانت تبلغ من العمر 7 سنوات؛ بعد تعرّض والدها السيد علي للإبعاد من زنجبار إلى مسقط؛ لأسباب سياسية في عهد السلطان حمود بن محمد سابع سلاطين الأسرة البوسعيدية بسلطنة زنجبار (١٨٩٦-١٩٠٢م)، وكان يحكم عُمان في تلك الأثناء السلطان فيصل بن تركي (1888-1913م). تزوجت السيدة فاطمة بنت علي من السلطان تيمور بن فيصل بن تركي، وكانت الزوجة الأولى له؛ وأنجبت له السلطان سعيد بن تيمور. وكان للسيدة فاطمة الدور الكبير والأثر البالغ في تربيته وإعداده لتولي الحكم. تعد السيدة فاطمة من أكثر الشخصيات نفوذاً خلال فترة حكم زوجها السلطان تيمور (1913-1932م) وابنها السلطان سعيد (1932-1970م)، منذ عام 1913م حتى وفاتها سنة 1967م. لقد قامت السيدة فاطمة بدورٍ مؤثر وفاعل؛ إذ كانت سنداً لزوجها السلطان تيمور الذي عانى خلال فترة حكمه من عدم الاستقرار السياسي والصعوبات الاقتصادية الناجمة عن جملة من التحديات الداخلية والخارجية، كالصراع بين السلطنة والإمامة والحرب العالمية الأولى والأزمة الاقتصادية العالمية المعروفة بالكساد الكبير وغيرها من الأحداث الصعبة، واهتمّت السيدة فاطمة بتوفير احتياجات العائلة المالكة كونها زوجة السلطان، كما كانت تستقبل السيدات صاحبات الوفود المرافقات لأزواجهن من ملوك ورؤساء الدول. بهذا الدور يمكن القول أنها مارست مهام وواجبات السيدة الأولى كونها زوجة السلطان تيمور ثم بعد ذلك والدة السلطان سعيد بن تيمور.عاشت السيدة فاطمة مدة 76 عاماً عاصرت خلالها فترات حكم عدد من سلاطين الأسرة البوسعيدية في كل من زنجبار وعُمان، حيث ولدت في عام 1891م وتوفيت في سنة 1967م بمسقط ودفنت فيها، فهي بذلك عاصرت ثمانية من سلاطين الأسرة البوسعيدية بسلطنة زنجبار، وهم:1. السلطان علي بن سعيد البوسعيدي (1307-1310هـ/ 1890-1893م).2. السلطان حمد بن ثويني البوسعيدي (1310-1314هـ/ 1893-1896م).3. السلطان خالد بن برغش البوسعيدي (1314-1314هـ/ 1896-1896م).4. السلطان حمود بن محمد البوسعيدي (1314-1320هـ/ 1896-1902م).5. السلطان علي بن حمود البوسعيدي (1320-1329هـ/ 1902-1911م).6. السلطان خليفة بن حارب البوسعيدي (1329-1380هـ/ 1911-1960م).7. السلطان عبد الله بن خليفة البوسعيدي (1380-1383هـ/ 1960-1963م).8. السلطان جمشيد بن عبد الله البوسعيدي (1383-1383هـ/ 1963-1964م).وثلاثة من سلاطين الأسرة البوسعيدية في عُمان:1. السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي (1305-1331هـ/ 1888-1913م)2. السلطان تيمور بن فيصل البوسعيدي (1331-1350هـ/ 1913-1932م).3. السلطان سعيد بن تيمور آل سعيد (1350-1390هـ/ 1932-1970م).مما سبق يمكن القول بأن السيدة فاطمة بنت علي بن سالم البوسعيدية، هي: حفيدة السلطان سالم بن ثويني (1866-1868م)، وزوجة السلطان تيمور بن فيصل (1913-1932م)، ووالدة السلطان سعيد بن تيمور (1932-1970م)، وجدة السلطان قابوس بن سعيد (1970-2020م) رحمهم الله جميعاً. وتخليداً لذكراها الطيبة بُني جامعٌ يحمل اسمها: "جامع السيدة فاطمة بنت علي" بولاية السيب، الذي افتتح في الثاني من شهر رمضان المبارك 1439هـ/ 17 مايو 2018م، وأدى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- صلاة عيد الفطر المبارك لعام 1445هـ/ 10 أبريل 2024م في هذا الجامع.ونقدم نبذة عن هذا الجامع مما نُشر عنه، فهو يقع بجانب الطريق البحري الممتد بولاية السيب، وتمّ تشييد الجامع على قطعة أرض بمساحة كلية تبلغ نحو 63 ألف متر مربع، وتبلغ مساحة البناء ثمانية آلاف ومئة متر مربع. ويشتمل المسجد على قاعة الصلاة الرئيسية بمساحة ألف وستمائة متر مربع، وتتسع لعدد 2200 مصلٍّ، كما يشتمل على قاعة للصلاة للنساء تتسع لـعدد 330 مصلية، ويحتوي أيضاً على مكتبة وعدد من الفصول الدراسية ومجلس وقاعة متعددة الأغراض ومواقف للسيارات، كما يحتوي الجامع أيضاً على مرافق الخدمات مثل: دورات المياه والمواضئ.يتميّز الجامع بموقعه الجميل؛ حيث يقع مباشرة على الطريق البحري بالسيب، وقد حرص القائمون على تنفيذ المشروع على إعطاء هذا الجامع هُوية خاصة تربطه مع البيئة الجغرافية والثقافية في المنطقة المحيطة به. وصُمم الجامع على "النمط المعماري المملوكي" الذي يعد محصلة الفنون المعمارية التي ظهرت قبله؛ لتسليط الضوء على أحد أهم الأنماط المعمارية المستخدمة في بناء العديد من الجوامع والمباني المهمة، التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، وإبراز بعض اللمسات المعمارية السائدة في ذلك العصر الذهبي من تاريخ الأمة الإسلامية، وأُدخلت بعض الإضافات والتعديلات الضرورية على التصاميم بما يتلاءم مع التطور التقني وتطلعات العُمانيين، من خلال توظيف التقنيات الحديثة والإمكانات المتاحة في هذا العصر؛ تعظيمًا لبيوت الله وتطوير خدماتها ومرافقها، وتسهيلًا لصيانتها والمحافظة عليها. ختاماً، يعد جامع السيدة فاطمة بنت علي لبنة معمارية حضارية تضاف لرصيد طويل وثري ومتنوع من رصيد إسهامات الحضارة العُمانية، وهو بلا شك يخلد سيرة سيدة كريمة من سيدات عُمان الجليلات، ويؤكد تقدير سلاطين عُمان لمكانة المرأة العُمانية التي كانت شريكًا فاعلًا في مسيرة البناء والازدهار، فعُمان جُبلت على تكريم أبنائها البررة رجالاً ونساءً فنجد حيثما ولينا البصر مدرسة هنا وجامعًا هناك يحمل اسم سيدة من سيدات عُمان الماجدات العالمات المجيدات في مختلف الميادين.

  • السلطان العثماني الذي أرسل رسالة اعتذار للإمام أحمد بن سعيد بسبب رد الوالي مصطفى باشا مساعدات الإمام لتحرير البصرة عام 1777م هو السلطان عبد الحميد الأول (1774-1789م). ومن خلال الاطلاع على الوثيقة العثمانية المنشورة في الجزء الأول من كتاب: "عُمان في الوثائق العثمانية ثلاثمائة وسبعون عامًا من العلاقات التاريخية" الصادر عن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، فقد جاء توصيف الوثيقة: "رسالة من السلطان العثماني عبد الحميد الأول إلى إمام مسقط أحمد بن سعيد يقدم فيها الاعتذار عن السلوك غير اللائق من مصطفى باشا -والي البصرة السابق- الذي أعاد مساعدات الإمام للدولة العثمانية ضد الفرس". كما يشير توصيف الوثيقة المترجم إلى اللغة العربية بأنه تم إعدام مصطفى باشا بسبب هذا الموضوع. وهذه الوثيقة مؤرخة بتاريخ: (1 جمادى الآخرة 1191هـ/ 7 يوليو 1777م).إن قراءة متفحصة لمضمون هذه الوثيقة يؤكد أن الإمام أحمد بن سعيد أرسل أكثر من حملة لمساعدة البصرة في فك حصارها من قبل الفرس في سنوات متفرقة من عام 1775م، و1776م، و1777م وهو ما تشير إليه الوثائق العثمانية المنشورة في الجزء الأول من كتاب: "عُمان في الوثائق العثمانية ثلاثمائة وسبعون عامًا من العلاقات التاريخية". ففي وثيقة عنوانها: "طلب حول إرسال مرسوم إلى إمام مسقط معرباً عن الامتنان بشأن إرساله سفناً مع ابنه لمساعدة البصرة"، مؤرخة في: (23 جمادى الأولى 1191هـ/ 29 يونيو 1777م)، جاء فيها: "هناك مراسلات مستمرة منذ القدم بين الإمام والولاة، حيث كانت علاقات ودية وإخلاص بينهم، وحتى أن الرسوم الجمركية لم تحصّل من تجارهم الذين يأتون إلى ميناء البصرة، لجبر خواطر الولاة. لكن ونظراً لوجود صراع بينهم وبين الفرس كتب الراحل عمر باشا رسالة إلى الإمام وطلب فيها المساعدة بسبب محاولة الفرس الاعتداء على ميناء البصرة العام الماضي. وبناءً على هذا الطلب أرسل الإمام ابنه إلى البصرة مع ثلاثين أو أربعين سفينة مختلفة الأحجام".ومن تتبع مسار الأحداث التاريخية وما يؤكدها من وثائق فقد رد الإمام أحمد بن سعيد على رسالة السلطان عبد الحميد الأول برسالة بدأ فيها بحمد الله والدعاء للسلطان، ثم يذكر استلام رسالة السلطان ببهجة وفرح على الرغم من وجود مسافات طويلة بين البلدين، ويفيد الإمام أحمد في رسالته أيضاً، بأن الفرس حاولوا غزو أراضي عُمان عدة مرات لكنهم فشلوا. ويعرب عن استعداده للتعاون مع الدولة العثمانية ضد الفرس، مفيداً بأنه قد ارتدى القفطان الذي أرسله له السلطان عبد الحميد الأول". هذه الرسالة مؤرخة في: (16 ربيع الأول 1193هـ 3 أبريل 1779م).كما يظهر عمق العلاقة ومتانتها بين السلطان العثماني عبد الحميد الأول والإمام أحمد بن سعيد من خلال استمرار المراسلات بين الطرفين، وتبادل الهدايا، ومنح بعض الامتيازات للتجار العُمانيين، وحماية الحجاج العُمانيين. ومن أمثلة ذلك استمرار المراسلات والعلاقات الودية بين السلطان عبد الحميد الأول والإمام أحمد بن سعيد بعد سقوط البصرة سنة 1776م إلى انسحاب الفرس منها في عام 1779م، وهو ما تكشفه مكاتبة مرسلة من السلطان العثماني للإمام أحمد تتضمن إخباره بكل ما يحدث في البصرة في تلك الفترة، كما أن السلطان العثماني عندما أراد عقد صلح مع الفرس كان حريصاً على إبلاغ الإمام أحمد بذلك فكان رد الإمام أن الصلح خير للجميع، ولا يوجد خلاف عليه، وإذا رأى السلطان بأن ذلك في صالح المسلمين فنحن معه. عموماً توالت الرسائل بين الإمام أحمد بن سعيد والسلطان عبد الحميد الأول سواء حول تنسيق الجهود في استتاب الأمن في ميناء البصرة أو حماية الحجاج العُمانيين فقد أرسل الإمام أحمد بن سعيد رسالة إلى الصدر الأعظم العثماني يطلب عدم تلقي أموال من الحجاج العُمانيين وأن يتمكنوا من زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة بأمان، وأن تتم حمايتهم من جميع أنواع المخاطر وهذه الرسالة مؤرخة في: (20 شعبان 1193هـ/ 2 سبتمبر 17779م). كما يتضح من خلال الوثائق بأن العلاقة العثمانية العُمانية حافظت على حيويتها حتى بعد وفاة الإمام أحمد بن سعيد في عام 1783م، واستمرت العلاقات الطيبة بين الدولة العثمانية والعُمانيين في عهد السيد سلطان ابن الإمام أحمد (1206-1219هـ/ 1792-1804م) في ضوء الجهود التي قدمها والده الإمام أحمد لاستتاب الأمن والاستقرار في ميناء البصرة والخليج بصفة عامة، فكانت هنالك زيارات متواصلة للسيد سلطان لميناء البصرة لاستلام المكافأة السنوية المقررة من السلطان العثماني لإمام عُمان، كما هدفت تلك الزيارات الدائمة للبصرة بهدف الإشراف على تجارة عُمان الضخمة مع ميناء البصرة.وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان ازدادت نشاطات الدولة العثمانية في الخليج العربي، كما أبدت عُمان استعدادها مع محمد علي باشا الذي نظم حفل استقبال رسمي كبير في مكة للسلطان سعيد أثناء ذهابه لأداء مناسك الحج عام 1824م. ونتيجة للنشاط التجاري المهم والمؤثر للسلطان سعيد في كل من عُمان وشرق أفريقيا زادت إيرادات البلاد عدة أضعاف، خاصة من خلال احتفاظه بتجارة القرنفل، حيث حثت الرسائل المرسلة من الولاة إلى مكتب الصدارة، على ضرورة تقريب إمام مسقط من الدولة العثمانية، وتعزيز العلاقات.وبعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان عام 1856م استمرت الدولة العثمانية في الحفاظ على علاقاتها وخاصة التجارية والدبلوماسية، مع كل من سلطان عُمان ثويني بن سعيد (1856-1866م)، وسلطان زنجبار ماجد بن سعيد (1856-1870م).ولمزيد من الاطلاع على العلاقات العُمانية العثمانية من ناحية تاريخية وثائقية يمكن الرجوع إلى كتاب: "عُمان في الوثائق العثمانية ثلاثمائة وسبعون عامًا من العلاقات التاريخية" في 3 أجزاء، تتكون من الوثائق الأرشيفية العثمانية حول العلاقات العثمانية العُمانية في العديد من الجوانب غير المعروفة في تاريخ عُمان، والكشف عن أدق التقييمات للأحداث التاريخية تم من خلالها تم مقارنة الوثائق الأرشيفية وغيرها من المصادر المباشرة مع تلك الموجودة في بلدان مختلفة، كما يضم هذا الإصدار العديد من الوثائق العثمانية والعُمانية، والخرائط والصور، من الأرشيف العُماني لدى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية وكذلك وثائق من الأرشيف العثماني. وهناك جزء رابع بعنوان: "العلاقات العُمانية التركية في وثائق الجمهورية التركية"، وجزء خامس بعنوان: "العلاقات العُمانية التركية من منظور الأرشيف الدبلوماسي".الجدير بالذكر أن الدولة العثمانية، أو الدولة العلية العثمانية، أو الخلافة العثمانية هي امبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل في 27 يوليو 1299م واستمرت الخلافة العثمانية حتى 29 أكتوبر 1923م، ودامت لما يقرب من 624 عاماً. بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا. في الربع الثاني من القرن السادس عشر الميلادي بدأ توسع الدولة العثمانية باتجاه الخليج العربي، وبالتحديد في عام 1534م بدأت سيطرة الدولة العثمانية على الخليج عدا عُمان، فأخضعت بغداد لسلطتها في عام 1534م، ثم البصرة في عام 1538م، ثم إقليم الإحساء في عام 1592م. خلال هذه الفترة التاريخية كان جزء من عُمان خاضع تحت سلطة المستعمر البرتغالي، واستطاعت عُمان بأسطولها البحري القوي في عهد دولة اليعاربة (1034-1156هـ/ 1624-1744م) من إنهاء النفوذ البرتغالي عليها وعلى الخليج والمحيط الهندي، فكانت بذلك مستقلة سياسياً ولم تخضع لنفوذ الدولة العثمانية بل كانت العلاقة ودية بين الطرفين. ومن أوجه تلك العلاقة مساهمة العثمانيين في التصدي للبرتغاليين في المياه العُمانية، ونجاح الأسطول العثماني في الوصول إلى مسقط وهزيمة الحامية البرتغالية في عام 1552م، وأسر عددٍ منهم، ثم خرج الأسطول العثماني من مسقط نحو هرمز بعد الفشل في الوصول إلى قلعتها الحصينة.



  • السلطان السيد خليفة بن حارب البوسعيدي (١٣٢٩-١٣٨٠ هـ/ ١٩١١-١٩٦٠م): تاسع سلاطين أسرة البوسعيد في سلطنة زنجبار، ولد السيد خليفة بمسقط في ٢٦ أغسطس ١٨٧٩م، لأبوين ينتميان لأسرة البوسعيد الحاكمة في عُمان، فأبوه السيد حارب ابن السلطان ثويني بن سعيد بن سلطان الذي حكم عُمان في الفترة من (١٢٧٣-١٢٨٢هـ/ ١٨٥٦-١٨٦٦م). تم تتويج السلطان خليفة رسمياً في ٩/١٢/١٩١١م في بيت العجائب. وبلغت مدة حكمه ٤٩ عاماً أما السلطان سعيد بن سلطان سلطان عُمان وزنجبار وملحقاتها فبلغت مدة حكمه ٥٢ عاماً.كان السلطان خليفة بن حارب من أكثر سلاطين زنجبار حكمة وبصيرة وتواضعا، وكان مضرب المثل في الأخلاق الرفيعة التي جعلته محبوبا جدا لدى أهل زنجبار، واستطاع خلال فترة حكمه التي شارفت على الخمسين سنة أن يسوس البلاد بحكمة بالغة جنبتها الكثير من الفتن والاضطرابات التي كانت تعصف بالعالم في تلك الفترة، كان أبرزها نشوب الحربين العالميتين، وانتشار الفكر الشيوعي. شهد عهد السلطان خليفة بن حارب العديد من الأحداث، واتسم في أغلب فتراته بسيادة السلم والأمن. وعلى المستوى الحضاري، شهدت المؤسسات الإدارية الحكومية في عهد السلطان خليفة بن حارب توسعا وتنظيما كبيرا، في المجالات المختلفة، كالتعليم والصحة والقضاء والإدارة العامة، وغيرها. فقد اهتم السلطان خليفة بن حارب بالجوانب التعليمية فتم في عهده إنشاء العديد من المدارس، ومن ذلك قيام مدرسة لتدريب المعلمين، وتأسيس المدارس في المقاطعات، كما افتتحت المدرسة الأولى للبنات بمدينة زنجبار في عام ١٣٤٥هـ/ ١٩٢٧م. وقد شملت المدارس جزيرة بمبا (الجزيرة الخضراء) إذ افتتحت المدرسة الأولى بها بمدينة ويته في ٦يناير ١٩٤٢م. كما قام السلطان خليفة في ٣١ أكتوبر ١٩٥٤م بوضع حجر الأساس لمدرسة السلطان سعيد بن سلطان بويته بالجزيرة الخضراء التي بنيت من تبرعات سكان الجزيرة. كما تم الاهتمام بتقديم الخدمات العامة كبناء المستشفيات والمراكز الصحية وتوفير ما تلزم من خدمات، وتشييد الطرق، وتوفير الكهرباء وإمدادات المياه وشبكة الصرف الصحي، وخطوط الهاتف، وصيانة الموانئ والجسور، وإنشاء مراكز الشرطة وغيرها من الخدمات. تُوفى السلطان خليفة بن حارب بن ثويني في قصره ببيت العجائب في٩أكتوبر ١٩٦٠م، ودُفن في المقبرة الملكية. وخلفه في الحكم ابنه السلطان السيد عبد الله بن خليفة البوسعيدي (١٣٨٠-١٣٨٣هـ/ ١٩٦٠-١٩٦٣م): وهو عاشر سلاطين سلاطين أسرة البوسعيد في سلطنة زنجبار، ولد في زنجبار في ١٢ فبراير ١٩١٠م. عين وليًا للعهد في عهد والده السلطان خليفة بن حارب. ثم صار حاكماً في أكتوبر ١٩٦٠م خلفا لوالده السيد خليفة. شهد عهده الكثير من الأحداث التي كان لها أثر كبير في تغيير الحياة السياسية والاجتماعية في زنجبار من ذلك زيادة نفوذ الاستعمار وزيادة حدة التوتر بين العرب وحزبهم الحزب الوطني وبين الأفارقة وحزبهم الحزب الإفروشيرازي. توفى السلطان عبد الله بن خليفة البوسعيدي في ٥ يوليو ١٩٦٣م، وخلفه في الحكم ابنه الأكبر السلطان السيد جمشيد بن عبد الله البوسعيدي (١٣٨٣-١٣٨٣هـ/ ١٩٦٣-١٩٦٤م) وهو آخر سلاطين أسرة البوسعيد في سلطنة زنجبار، وُلد في زنجبار بتاريخ ١٦ سبتمبر ١٩٢٩م. تخرّج من المدرسة الثانوية الحكومية في زنجبار، ثم التحق بكلية فكتوريا العريقة في الاسكندرية، فالجامعة الأمريكية في بيروت، ثم خدم في البحرية الملكية البريطانية لمدّة سنتين تقريبًا. درس بعد ذلك الإدارة العامة في بريطانيا؛ وعند عودته إلى زنجبار، ألحقه جدّه، السلطان خليفة بن حارب، إلى بعض مؤسسات الدولة لاكتساب الخبرة الإدارية العملية. تولى السلطنة في زنجبار خلال الفترة من 1 يوليو 1963م إلى 12 يناير 1964م. حصلت زنجبار في عهده على استقلالها من المملكة المتحدة في 19 ديسمبر 1963م كدولة ملكية دستورية مستقلة. وفي 12 يناير عام 1964م أطاحت ثورة زنجبار بحكمه. ثم انتقل إلى المنفى في مدينة بورتسموث في المملكة المتحدة ومكث فيها من ٢٠ يناير ١٩٦٤م حتى ١٥ سبتمبر ٢٠٢٠م حيث يستقر حالياً في العاصمة العُمانية مسقط.واليوم تشهد العلاقات العُمانية بدول شرق إفريقيا آفاقاً اقتصادية وأخرى ثقافية مستندة إلى الأساس التاريخي والحضاري والإنساني الذي يميز العلاقات بين الجانبين.













  • صاحب السمو السيد فيصل بن علي بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان البوسعيدي، سمّي على اسم جده السلطان فيصل بن تركي، تولى وزارة التراث القومي والثقافة منذ عام ١٩٧٦م وحتى عام ٢٠٠٢م، وقدَّم إسهامات جليلة في حفظ التراث والثقافة العُمانية. ولد صاحب السمو السيد فيصل بن علي بمسقط في عام 1346هـ / 1927م. وتدرّج السيد فيصل في التعليم بدءًا من المدرسة السلطانية ثم المدرسة السعيدية النظامية، وأكمل تعليمه بها، وعند تخرجه منها عام 1942م، عُيّن مدرساً بها واستمر في التدريس حتى عام 1954م، حيث نُقِل إلى الشؤون الخارجية كسكرتير. مكث السيد فيصل في وظيفته بوزارة الخارجية قرابة ثلاث سنوات، ثم غادر عُمان إلى القاهرة، وعند بزوغ النهضة المباركة في عام 1970م عاد لشغل عدة مناصب وزارية، حيث عُين مديرا للمعارف حتى شهر مارس من عام 1971م، ثم وزيراً للاقتصاد حتى عام ١٩٧٢م، وفي بداية عام 1972م عين سفيراً للسلطنة لدى الولايات المتحدة الامريكية ومندوبا دائما لعُمان لدى الأمم المتحدة حتى نهاية 1973م وفي بداية عام 1974م عين وزيرا للتربية والتعليم حتى عام 197٦م. ومنذ عام ١٩٧٦م كان على رأس أول وزارة في الوطن العربي والإسلامي للتراث القومي والثقافة حتى فبراير عام 2002م تاريخ صدور مرسوم سلطاني بتعيينه - مستشار جلالة السلطان لشؤون التراث.قام السيد فيصل بن علي بدور مهم في حماية التراث الثقافي العُماني، ومن يقرأ كتب التراث العماني التي طبعت وحققت وترجمت خلال الفترة: (١٩٧٦- ٢٠٠٢م) سيجد اسم صاحب السمو السيد فيصل بن علي حاضراً، ففي مقدمة المحقق عبد المنعم عامر لكتاب الجامع لابن جعفر يقول: "وإذا كان لنا من قول آخر فهو الإشادة بتلك الجهود التي يوليها الوزير الهمام السيد فيصل بن علي آل سعيد للتراث العماني، وقد آتت ثمارها طيبة في تلك السلسلة من الكتب الدينية الضخمة التي تغطي مساحة واسعة من آفاق الفكر الإسلامي. سدد الله خطاه، إنه نعم المولى ونعم النصير".اشتهر السيد فيصل بن علي بكرمه ولطيف تعامله مع كل من كان حوله، فكان عميد الأسرة المالكة في حينها وقد عاش لفترة سابقة من الزمن في مصر وعمل بإذاعة صوت العرب من القاهرة وهو مؤلف كتاب: "سلطان واستعمار". توفي السيد فيصل بن علي يوم الأربعاء 26من ذي القعدة 1423هجري الموافق 29يناير2003م تاركا بصمات واضحة في كل ما قام به من أعمال عموما وخاصة في مجال حماية التراث وتنمية الثقافة وتعزيزهما والنهوض بالتراث والثقافة بعُمان.تم تأسيس متحف السيد فيصل بن علي من قبل وزارة التراث والثقافة تكريماً وتخليداً لجهود صاحب السمو السيد فيصل بن علي آل سعيد في خدمة التراث الثقافي العماني، وتم افتتاحه برعاية كريمة من جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه -عندما كان وزيرا للتراث والثقافة لمدة ١٨ عاماً- في ٧ يناير ٢٠٠٨م.

  • الإمام عزان بن قيس بن عزان بن قيس ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي. تولى الحكم خلال الفترة) 1285-1287هـ/ 1868-1871م) حيث بُويع الإمام عزان بن قيس بالإمامة يوم الجمعة 22 جمادي الآخر سنة 1285هـ/ 10 أكتوبر 1868م، من قبل أهل الحل والعقد وعلى رأسهم الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي والشيخ صالح بن علي الحارثي، والشيخ محمد بن سليّم الغاربي. ولم يتجاوز السابعة والعشرين من العمر عند مبايعته بالإمامة. وكانت بيعته في بيت الشجر في مسقط (مسكد)، وهو أول إمام يُعقد على مبايعته في مسقط، وكان الأئمة يُعقد على مبايعتهم في نزوى، وبعض الأئمة المتأخرين عُقد عليهم في الرستاق، وبعضهم بنخل ومنح وينقل.تضمن برنامج الإمام عزان بن قيس عند تسلمه السلطة بموجب البيعة على أربع نقاط رئيسية، تمثلت في:1. إلغاء السلطة المستقلة للقبائل المعارضة للإمامة بإخضاعها من جديد للسلطة المركزية، ووضع حدّ لحالة الفوضى وتعيين قضاة وولاة جدد.2. تحرير منطقة البريمي من الاحتلال الوهّابي ووضع حدّ نهائي لنفوذ الوهابيين في عُمان.3. وضع حدّ للنفوذ البريطاني، والعمل على إلغاء الالتزامات والاتفاقات التي فُرضت على عُمان خلال عهد السلطنة. وكذلك محاولة الحصول على اعتراف بإمامة عزان بن قيس من بريطانيا، مع إعادة تأكيد استقلال عُمان وسيادتها دون تحفظ.4. استعادة زنجبار ومعالجة قضيَّتي جوادر وبندر عباس اللتين كانتا خاضعتين لعُمان قبل الثورة.استطاع إخضاع كافة المدن العُمانية لسلطة الإمامة، فقام الإمام بتوجيه حملة إلى وادي سمائل من أجل إخضاع بعض القبائل الغافرية التي رفضت مبايعة الإمام، وأعلنوا تمردهم عليه، وتم ذلك في شوال 1285هـ/ 1869م. وفي نفس العام تم عقد لقاء بين الإمام عزان وزعيم قبيلة النعيم الغافرية في بركاء، واتفقوا على خطوات الهجوم لتحرير البريمي من الوهابيين، وتحقق ذلك للإمام بعد حصار حصن البريمي لمدة خمس أيام، وبذلك تمكن الإمام من بسط نفوذه على منطقة الظاهرة بأكملها. وفي طريق عودته من البريمي توقف بالرستاق وبايعه زعيم قبيلة بني هُناءة، وزعيم بني شكيل مما مكنه بعد ذلك من توطيد حكمه على منطقتي الداخلية والوسطى من عُمان. كما سيّر الإمام عزان حملة بقيادة ابن أخيه فيصل بن حمود إلى صور وجعلان بني بو حسن وجعلان بني بوعلي، فتمكن من إخضاعها لسلطة الإمامة.وبهذا تمكن الإمام من توطيد الحكم والقضاء على الحروب القبلية الداخلية وحماية حدود البلاد واستقلالها، فتمكن من تأسيس دولة القانون والحكومة المركزية وهذا ما افتقدته عُمان فترة من الزمن، ويصف لاندن تلك النجاحات قائلا: "في خريف عام 1869 وصل نفوذ الإمامة في عُمان إلى ذروته. وكان أقوى حكم شهدته عُمان في كل تاريخها، فقد امتدت سلطة الإمام عزان حتى شملت البلاد كلها داخلها وخارجها، مناطقها الساحلية ومناطقها القبلية، معاقلها ومدنها، سهولها وجبالها، وهو عمل يحق للإمام عزان أن يفخر به". ومن أبرز جهود الإمام عزان أيضا، الاهتمام بالتعليم، حيث عيّن في كل ناحية مدرسا وخصص له راتبا شهريا. ومما يُقال في هذا الجانب أن دولة الإمامة كان لديها توجها في الاهتمام بالتعليم، وتشجيع الحركة العلمية لكن بسبب عدم استقرار الظروف السياسية وقلة الإمكانات المادية، وقِصر فترة حكم الإمام عزان بن قيس- تم القضاء على الإمامة بعد سنتين ونصف- كلها عوامل ساهمت في عدم تحقق تلك الغاية.توفي الإمام عزان بن قيس سنة 1287هـ/ 1871م، عن عمر يناهز الثلاثين عاماً، وذلك أثناء مشاركته في صد هجوم السيد تركي بن سعيد على مطرح- نتيجة لذلك تولى السلطة في عُمان في الفترة (1287-1305هـ/ 1871-1888م)- ودُفن الإمام عزان بجبروه (منطقة في مطرح)، وبذلك انتهت دولة الإمامة بعد سنتين ونصف من قيامها. يذكر السالمي في التحفة: "بعد أن دانت الأمور وسكنت الحركات وظهر العدل والانصاف، وأخذ الحق من القوي للضعيف، وذلت رقاب الجبابرة والمعاندين، فعند ذلك نجم بالرؤساء نفاقهم وكاتبوا تركي بن سعيد سراً فيما بينهم، وكان قد ركب إلى الهند في دولة ابن أخيه سالم بن ثويني...فجاء تركي في مركب للنصارى ودخل به مكلى مسكد". ويُفهم من كلام نور الدين السالمي أن هناك خيانة من بعض القبائل التي تواصلت مع السيد تركي بن سعيد لإنهاء حكم الإمام عزان بن قيس، وكان نتيجة ذلك معركة بين الطرفين في مطرح أدت إلى استشهاد الإمام عزان بن قيس. وقد لخَّص المقيم السياسي في الخليج العقيد لويس بيلي حياة الإمام عزان بن قيس بقوله: "لقد عاش بطلاً، ومات بطلاً في ساحة الوغى".

  • الشيخة الغالية بنت ناصر بن حميد الغافرية العطابية، والدها الشيخ راشد بن حميد بن راشد بن ناصر بن محمد بن ناصر الغافري، ووالدتها غاية بنت ناصر بن علي الشكيلية من بلدة بسيا بولاية بهلاء. وُلدت الشيخة الغالية بنت ناصر العَطَّابِيَّة في ولاية بهلا بمحافظة الداخلية، في القرن الثالث عشر الهجري/ القرن التاسع عشر الميلادي، وتوفيت والدتها وهي لا تزال صغيرة السن. وهي بذلك عاصرت ٣ سلاطين: (السلطان فيصل بن تركي والسلطان تيمور بن فيصل والسلطان سعيد بن تيمور).نشأت الشيخة الغالية بنت ناصر العطابية الغافرية في ولاية بهلاء بمحافظة الداخلية ثُمّ انتقلت إلى عبري بعد زواجها من الشيخ سلطان بن راشد بن عبد الله اليعقوبي، وسكنت في حارة البستان بولاية عبري في منزل يطلق عليه آنذاك "بيت البستان". وكانت تنتقل إلى بلدة "الأخضر" في فصل الشتاء لتسكن في "حصن الأخضر"؛ للإشراف على زراعة النخيل والمحاصيل الأخرى. وعند وفاة زوجها الشيخ سلطان عام ١٩٢٥م، ترك للشيخة الغالية مسؤولية تربية أبنائها الثلاثة: أصيلة وراشد (ت:1371هـ/1951م) وعزة. فجعت الشيخة الغالية بوفاة ولدها راشد في سن مبكرة في عام ١٩٥١م، ويذكر أنها مرت بحالة من الحزن الشديد لفقدان ابنها. إن نشأة الشيخة الغالية في بيئة ذات زعامة وقيادة وذات مكانة قبلية واجتماعية وسياسية في المجتمع العُماني وأسرة ذات اهتمام بالعلم والفكر ساهمت بالطبع في صقل شخصيتها، وكانت من أهم العوامل التي ساعدتها على لعب أدوار مهمة ليس فقط على مستوى النساء إنما على مستوى القبائل والمجتمع. وجمعت الشيخة الغالية العديد من الصفات الحميدة. كما اتسمت بالزهد ورجاحة العقل والرأي السديد؛ مما جعل منها شخصية اجتماعية وفكرية معروفة. وكانت مرجع نساء زمانها في تنظيم الحياة الاجتماعية وتدبير أمور المرأة، وساهمت – بفضل حكمتها ونفاذ أمرها – في بث الحركة العلمية في أوساط النساء خاصة.اشتهرت الشيخة الغالية بنت ناصر الغافرية بصفة الكرم، فيذكر أن بيتها كان مقصد كل ضيف يصل إلى عبري، فيتم إكرامه من أشهر الوجبات وأطيبها كالثريد والرخال والعسل، ويذكر أنها كانت تكرم ضيوفها من خيرات مزارعها التي تشرف على العاملين فيها وعلى سير العمل فيها بنفسها. كما كان بيتها أيضا مقصدا للفقراء والمساكين، فيذكر أنها كانت تطعم ستين (60) فقيرا ومسكينا بشكل يومي. وعن العلاقات الاجتماعية للشيخة الغالية وتواصلها مع الناس المحيطين بها من الأقارب والأهالي، فلازال أهالي الولاية يذكرون لها مواقفها النبيلة التي لم تكن تخص فيها أحد دون غيره، وإنما كانت علاقتها طيبة وإنسانية بالجميع ممن حولها، فقد كانت تشارك أهالي البلد في مختلف المناسبات كالأفراح والأتراح وتقاسمهم في تكاليف الأعراس، فتشارك بالحضور بنفسها في أفراحهم أو ترسل من يمثلها من بناتها وقريباتها، كذلك هو الحال في أداء واجب العزاء في البلد لتقديم التعزية ومساعدة أهالي الفقيد. ويذكر أيضا أنها كانت قليلا ما كانت تخرج في النهار، وأنها كانت تفضل الخروج من المنزل في المساء لأجل زيارة الأقارب وأداء الواجبات الاجتماعية لأهالي البلد.عُرفت الشيخة الغالية باهتمامها بالتطريز، والطب الشعبي. كما روي عنها أنها كانت تساهم في علاج الجرحى في الحروب الداخلية، مستخدمة في ذلك زيت السمسم والثوم لتضميد الجرح وكذلك الكي بالنار، وعرفت بذلك ليس فقط بين أهالي عبري، وإنما حتى على مستوى الولايات المجاورة، فقد كانت تقوم بتحديد الموضع الصحيح للكي "الوسم"، ومن ثم يقوم شخص بالوسم في المكان الذي تحدده له. خطت الشيخة الغالية على نهج والدها من حيث اهتمامها بالتعليم ورغبتها في تعليم غيرها، فقد ذُكر أن والدها الشيخ ناصر بن حميد الغافري قد أحضر الشيخ الأديب النحوي الشاعر المر بن سالم بن سعيد بن عبدالله الحضرمي (ت: 1336هـ/1917م) ليكون معلما يهتم بتدريس ابنه محمد، بالإضافة إلى عدد من طلبة العلم في ولاية بهلا في تلك الفترة. كما أن نشأة الشيخة الغالية في ولاية بهلاء التي عرفت بازدهار العلم فيها آنذاك مهد لها القيام بدور بارز في نشر العلم والحث عليه؛ لذلك كانت من الشخصيات البارزة والمؤثرة في ولاية عبري. وكان اهتمامها بالتعليم ينبع من كونها من النساء القليلات اللاتي حصلن على قدر متميز من التعليم. فعملت الشيخة الغالية جاهدة على الاهتمام بأمور الدين وشجعت على التعليم، كما حثت النساء على تعلم القرآن الكريم. واستطاعت تحقيق رغبتها في نشر العلم عن طريق جلب المعلمين أو النفقة عليهم. حيث كرست الكثير من الجهد والمال في سبيل نشر العلم في الولاية. ويذكر أنها كانت تمتلك مساحات شاسعة من مزارع النخيل في بلدة "الأخضر"، وخصصت جزء من أشجار النخيل وتمورها وقفاً للتعليم، من خلال طني النخيل أو بيع ثمارها واستخدام مردودها في النفقة على المعلمين بأجور شهرية. كما أنها ساهمت في إنشاء مسجد "شجاع" في ولاية عبري والذي يتضمن مدرسة لتعليم القرآن وعلوم النحو والصرف والحساب. وقد أسست الشيخة الغالية بنت ناصر مدرسة أخرى في حارة "خيبر" محاولة منها لنشر العلم على نطاق أوسع، فقد كانت حريصة جدا على أن تعلم أبناء عبري جميعهم ذكورا وإناثا في تلك المدارس التي تأخذ مواصفات نظام الكتاتيب التي تعتمد على تدريس علوم الفقه وتحفيظ القرآن الكريم، ولكنها عملت على إدخال مواد النحو والبلاغة عليها.الدور السياسي:

    قامت بدور مهم ومؤثر في الحفاظ على الوحدة الوطنية والوقوف ضد أي تغلغل خارجي سيما وأنها عاصرت ٣ سلاطين: (السلطان فيصل بن تركي والسلطان تيمور بن فيصل والسلطان سعيد بن تيمور) وعاصرت الأحداث السياسية غير المستقرة سواء محاولات التغلغل الوهابي أو الصراع بين السلطنة والإمامة، وكانت دائما تختار جانب عُمان واستقرارها بعيداً عن مواقف ممكن أن تؤثر على الوحدة الوطنية ولهذا كان لها دور مهم في إقناع زوجها الشيخ سلطان اليعقوبي -الذي توفي نتيجة أوجه الصراع على السلطة- ووالدها الشيخ ناصر في ضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية لعُمان.ويظهر كذلك من علاقة الشيخة الغالية بمن حولها من الولاة والمشايخ. ففي عهد السلطان سعيد بن تيمور تم تعيين السيد سعود بن حارب البوسعيدي والياً على عبري وقد كان السيد سعود بن حارب يكن للشيخة الغالية كل الاحترام والود. وتمثل ذلك في تبادل الزيارات مع أسرة السيد سعود بن حارب البوسعيدي، وكان السيد سعود يحترم الشيخة الغالية ويقدرها. وفي حال وجود أي مشكلة من أهالي عبري تسعى الشيخة الغالية إلى حلها بالطرق السلمية مستخدمة حكمتها وفطنتها، وكانت تطلب من السيد سعود للتدخل والتعاون معها في حل تلك المشاكل في بعض الأحيان، وكان السيد سعود بدوره لا يرد لها طلبا؛ تقديراً واحتراما لها.كشفت بعض النقوش المكتوبة على جدران مسجد شجاع بحلة البستان من ولاية عبري إلى أنها توفيت صبيحة عيد الفطر أول أيام شوال سنة 1388هـ/ 1968م عن عُمرٍ يناهز المائة سنة.

  • جيمس ريموند ولستد ( 1805-1843م)، رحَّالة وجغرافي وعسكري بريطاني، وُلد في عام ١٨٠٥م وتوفي عام ١٨٤٣م. عمل لدى حكومة الهند، وزار مسقط عدة مرات أثناء مشاركته في المسح الجغرافي الذي قامت به سفن شركة الهند الشرقية البريطانية في سواحل الخليج العربي، حيث قامت بمسح السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية حتى رأس الحد، ولكن البحوث المسحية لم تشبع نهمه، فسعى إلى اكتشاف ما بداخل شبه الجزيرة العربية، لذلك قام برحلة إلى عُمان في الفترة: 1835ـ 1836م، ورافقه في هذه الرحلة زميله وايتلوك، بدأ رحلته من ميناء مسقط في 25 نوفمبر 1835م، في عهد السيد سعيد بن سلطان الذي قدم له التسهيلات اللازمة لرحلته ووفر له الإبل والأدلاء ورسائل توصية إلى وجهاء وشيوخ القبائل في المناطق التي توجه إليها. زار ولستد خلال رحلته تلك الكثير من المدن والمراكز الحضرية العُمانية مثل: قلهات وصور وجعلان بني بوعلي وجعلان بني بوحسن والكامل وبدية وإبراء وسمد الشأن ومنح ونزوى والجبل الأخضر وبركاء والمصنعة والسويق وعبري والبريمي وصحار وإمارات ساحل عُمان. وثق ولستد لقاءات شخصية بعدد من الشخصيات المهمة، مثل: السلطان سعيد بن سلطان، والسيد هلال بن محمد البوسعيدي، والسيدة عائشة بنت سلطان البوسعيدية. وتطرق إلى العديد من القضايا والموضوعات المتعلقة بحياة العُمانيين، كما كتب انطباعاته عمّا شاهده أو تعرض له من مواقف متباينة خلال جولاته تلك، وتعد رحلة وليستد مهمة كونها من أوائل الرحلات التي توغلت في الداخل العُماني، ولم يتم لأي أوروبي بعد ولستد زيارة الأماكن التي زارها إلا في عام 1876م عن طريق مايلز الذي وثق رحلته في كتابه: "الخليج: بلدانه وقبائله". يقول جيمس ريموند ولستد إنه وضع في كتابه: "رحلات في شبه الجزيرة العربية" بجزئيه، أبحاثاً عن أرجاء واسعة من شبه الجزيرة العربية يفتقر إليها الأوروبيون من رجال عصره، برغم حيويتها لأهدافهم. وعبّر ولستد عن أمله بأن يثير كتابه اهتمام الفلاسفة والمشتغلين بعلوم البيئة والجغرافيا والعلوم الإنسانية الأخرى. والجزء المتعلق بعُمان عنوانه: "تاريخ عُمان: رحلة في شبه الجزيرة العربية"، وبعض الطبعات جمعت الجزئين بعنوان: "رحلات في الجزيرة العربية: عُمان ونقب الهجر". ونقتبس بعض ما جاء في كتابه عن عُمان وبعض الشخصيات التي التقى بها: - أشار ولستد إلى مكانة مسقط الكبيرة بقوله: "لمسقط مكانة عظيمة بين المدن الشرقية، ليس لكونها مخزنا كبيرا للمتاجر الكبيرة بين شبه الجزيرة العربية والهند وفارس فحسب؛ ولكن لكونها أيضا ميناء عُمان وسوقها الذي تفد إليه الواردات الشاملة، ونستطيع أن نقدر إجمالي عدد سكان مسقط بستين ألف شخص تقريباً". - سجَّل ولستد انطباعه بعد لقائه شخصياً بالسيدة عائشة أثناء مروره بالسويق كمحطة من محطات رحلته لعُمان فيقول: "زوجته –يعني زوجة السيد هلال بن محمد- استقبلتنا استقبالاً جيداً، وأكرمت ضيافتنا، وقد لاحظت أن أوامرها مطاعة، وكأنها تحل محل السيد، فأمرت خادميها بإكرامنا وقالت: اسهروا على راحة السادة ولا تتركوهم في حاجة لأي شيء وإلا قطعت أعناقكم. وقد تناولنا أفضل الخيرات من مطبخ السيد". - خرج ولستد بانطباع أن أهم ما تمتاز به حكومة السيد سعيد بن سلطان هو: "أنها لا تلجأ في تعاملها مع مواطنيها إلى التعسف، وعُرْفها في القانون هو التسامح الذي به تسوّى حقوق جميع الأطراف، ويولي السيّد كل اهتمامه لما يحقق رفاهية الرعية، الأمر الذي جعل سكان هذه المدينة (مسقط) يوقّرونه ويكنّون له الإعجاب، أما أهل البادية فيقدرون له تسامحه، ويحترمون فيه صفة الشجاعة، ويولي السيد سعيد تجار كل الأمم الذين يفدون إلى بلاده للإقامة في مسقط كل رعاية وعناية، ويمتد تسامحه ليشمل كافة الأجانب المقيمين لديه من دون تمييز".