من مِنن الله على خلائقه أن جعل الرحلات والترحال سُنة من سننه الكونية ، فمنها ما هو هجرات بسرية عمرت نواحي الأرض، ومنها ما هو رحلات للأنبياء لنشر دين الله والدعوة إليه ، ومنها ما هو رحلات لمنافع الأفراد والجماعات ، ومن أشهرها : رحلة الشتاء والصيف التى تزعمتها قبيلة قريش ، وأشار إليها القرآن الكريم " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " ومنها رحلات تلبية لأداء واجبات دينية كالحج إلى بيته الحرام ، حيث كان أمر الله لأبي الأنبياء "وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق... الآية " وزيارات المساجد المشروع شد الرحال إليها، كما قال صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدى هذا – المسجد النبوى – والمسجد
الأقصى ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم .. ومن أشهر رحلات الأنبياء قديما ، ما ورد فى القرآن الكريم ، عن رحلة أبى الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام ، لما اشتد عليه عداء قومه من عبدة الأصنام ، فقال عنه القرآن الكريم " إنى ذاهب إلى ربى سيهدين " وفي آية أخرى " فآمن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم "وفى آية أخرى ، إشارة إلى رحلته عليه السلام من أرض الشام إلى مكة المكرمة ، لبناء بيته المعظم " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم – الآية – " ومن أشهر الرحلات ، رحلة سيدنا موسى عليه السلام ، من مصر إلى مدين ، والتى أشار إليها القرآن فى أكثر من آية من سورة القصص " ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها – الآيات 15–17، و 20–21، وقوله تعالى"ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل – الآيات 22 – 28 من سورة القصص، وكذلك الآيات من 9 – 36 من سورة طه ، والآيات 52 وما بعدها من سورة الشعراء "
أما خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد تنوعت رحلاته بعد بعثته ، كما أشار إلى ذلك الإمام – إبن القيم – بين : سفر للهجرة ، وسفر للجهاد ، وسفر للعمرة ، وسفر للحج ، ثم اختصه الله تعالى فى هذا الباب برحلة الإسراء والمعراج .
وأنا أتبرك بجعل لمحة من حديث هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة فى مقدمة هذا السفر ، الذى جمعت فيه عددا من رحلات الحج ، مما اهتم أصحابها بتدوينها ، من العلماء والمشاهير وعامة الناس.
وهنا لابد من تقرير حقيقة، وهي أن هذا السفر ليس من" تأليفى" بل يصح القول أن مؤلفيه أصحاب الرحلات عالما ومفكرا ورجال عاديين، وأن مؤلفيه هم من كتبوا هذه الرحلات ، وليس لي فضل فيها إلا جمعها ، وتلخيصها ، مثبتا ، ومكثرا من كلمات ونصوص أصحابها بين " ..... " ليعيش القاريء فى أجواء عاشها كل كاتب رحلة ، حسب زمانه ، وحسب ما حدده من غرض لرحلته ، وحسب حظه من الثقافة ، وحسب براعته فى الكتابة ، وحسب مقدرته الوصفية ، وحسب ما جذب إهتمامه طوال رحلته. والحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة والسلام على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه
جدة : فى الأول من محرم من عام 1430 للهجرة النبوية الشريفة
أحمد محمد محمود