Afleveringen
-
هذه هي الحلقة الأخيرة، التي ننهل فيها من نفائس إمام العاشقين جميل بثينة، هذه المرة يصحبنا بين اللقاء والهجر، بين الصد وإلحاح العاذلين، بين سر العاشقين الذي لا يعرفه سواهما وبوح العيون بما تخفيه السرائر. في هذه الحلقة نتنقل في جنائن أفضل من كتب في الغزل العفيف، ونرى جنونه ببثينة، ذلك الذي خلّده عاشقاً لا مثيل له حتى اليوم.
بصوت: د. علي بن تميم
وعاذلينَ، ألحوا في محبتها يا ليتَهم وجَدوا مثلَ الذي أجِدُ!
لما أطالوا عتابي فيكِ، قلتُ لهم لا تكثروا بعضَ هذا اللومِ، واقتصدوا
ما إن شعرتُ، ولا علمتُ بينهم حتى سمعتُ به الغُرابَ يُنـادي
لما رأيتُ البينَ، قلتُ لصاحبـي صدعتْ مصدعة ُ القلوب فؤادي
بانوا، وغودرِ في الديارِ متيـمُ كَلِفٌ بذكرِكِ، يا بُثينة ُ، صـادِ
تذكرَ منها القلبُ، ما ليسَ ناسياً ملاحة َ قولٍ، يومَ قالتْ، ومعهدا
فإن كنتَ تهوى أوْ تريدُ لقاءنا على خلوة ٍ، فاضربْ، لنا منكَ، موعدا
فقلتُ، ولم أملِكْ سوابِقَ عَبْرة ٍ أأحسنُ من هذي العيشة ِ مقعدا
فقالت: أخافُ الكاشِحِينَ، وأتّقي عيوناً، من الواشينَ، حولي شهدا
لعمري ما استودعت سري وسرها سوانا حذاراً أن تشيع السرائر
ولا خاطبتها مقلتاي بنظرة فعلم نجوانا العيون النواظر
ولكن جعلت اللحظ بيني وبينها رسولاً فأدى ما تجن الضمائر -
لا يعرف العاشق اللقاء، بل يعرف الانتظار والاشتياق حتى في القرب، وهكذا كان أمير العاشقين جميل بن معمر، المعروف باسم جميل بثينة، والذي نسب إليها لشدة ولعه بها، كان يزداد اشتياقاً إليها إذا دنت منه، أما إذا نأت فإن الدار هي التي تنأى، ويرد سبب هيامه الشديد بها إلى تعلق روحه بروحها حتى قبل خلقهما. نستمع إلى أروع ما كتب في الغزل
بصوت د. علي بن تميم
إذا ما دنتْ زدتُ اشتياقاً، إن نأتْ جزعتُ لنأيِ الدارِ منها وللبعدِ
أبى القلبُ إلاّ حبَّ بثنة ِ لم يردْ سواها وحبُّ القلبِ بثنة َ لا يجدي
تعلّقَ روحي روحَها قبل خَلقِنا، ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهدِ
فزاد كما زدنا، فأصبحَ نامياً، وليسَ إذا متنا بِمُنتقَضِ العهد
يكاد فَضِيضُ الماءِ يَخدِشُ جلدَها، إذا اغتسلتْ بالماءِ، من رقة ِ الجلدِ
وإني لمشتاقٌ إلى ريح جيبها، كما اشتاقُ إدريسُ إلى جنة ِ الخلدِ
لقد لامني فيها أخٌ ذو قرابة ٍ، حبيبٌ إليه، في مَلامتِه، رُشدي
وقال: أفقْ، حتى متى ّ أنتَ هائمٌ ببَثنة َ، فيها قد تُعِيدُ وقد تُبدي؟
فقلتُ له: فيها قضى الله ما ترى عليّ، وهَلْ فيما قضى الله من ردّ؟
فإن كان رُشداً حبُّها أو غَواية ً، فقد جئتهُ ما كانَ منيّ على مدِ
وما زادها الواشونَ إلاّ كرامة ً عليّ، وما زالتْ مودّتُها عندي
أفي الناس أمثالي أحبَّ، فحالُهم كحالي، أم أحببتُ من بينهم وحدي -
Zijn er afleveringen die ontbreken?
-
حلقة جديدة لقصيدة أخرى، من أجمل نفائس جميل بثينة، يلخص اسم بثينة فيها أجمل ما في حياة الشاعر العاشق، مختصراً كل حياته التي لن يتردد في التضحية بأيامها من أجل أن يطيل من أيام معشوقته وعمرها، إذ لا اسم له أساساً سوى اسمها، ولا وجه له سوى وجهها، ليبقى خوفه الوحيد من الموت هو أن يأتيه بغتة قبل أن يرتوي من الحبيبة التي لم يفعل الواشون سوى جعله أكثر هياماًً بها.
نستمع إلى بعض وجده:
أُحِبّ من الأسماءِ ما وافَقَ اسمَها، وأشبههُ، أو كانَ منه مدانيا
وددتُ ، على حبِّ الحياة ِ، لو أنها يزاد لها، في عمرها ، من حياتيا
وأنتِ التي إن شئتِ أشقيتِ عيشتي، وإنْ شئتِ، بعد الله، أنعمتِ بالِيا
وأنتِ التي ما من صديقٍ ولا عداً يرى نِضْوَ ما أبقيتِ، إلاّ رثى ليا
ومازلتِ بي، يا بثنَ، حتى لوانني، من الوجدِ أستبكي الحمامَ، بكى ليا
إذا خدرتْ رجلي، وقيل شفاؤها دُعاءُ حبيبٍ، كنتِ أنتِ دُعائِيا
ولا زادني الواشونَ إلاّ صبَابة، ولا كثرة ُ الواشينَ إلاّ تماديا
ألم تعلمي يا عذبة َ الريق أنني أظلُّ، إذا لم ألقَ وجهكِ ، صاديا؟
لقد خِفْتُ أن ألقَى المنيّة َ بَغتَة، وفي النفسِ حاجاتٌ إليكِ كما هيا
وإني لينسيني لقاؤكِ، كلما لقِيتُكِ يوماً، أن أبُثّكِ ما بِيا -
في هذه الحلقة الجديدة من نفائس جميل بثينة، يتوجه شاعرنا وعاشقنا المعذب جميل بن معمر إلى الله تعالى، داعياً إياه أن يحببه إلى بثينة، التي نسبه التاريخ إلى اسمها من فرط ولعه بها، ثم يطلب من الله أن يمن عليه بالصبر إن تعذر الحب واللقاء، مناجياً الله، ومعترفاً بعشقه في لغة شديدة العذوبة والرقة، حيث يصف نفسه بـ "المولع"، ثم يكشف عن أن النظرة التي ألقاها عليها لا تكفه، لأن العاشق لا يكتفي بذلك، وكأنه يقول ما قاله ابن عربي بعدها بسنوات: "كل شوق يسكن باللقاء لا يعوّل عليه"، وهكذا كان جميل بثينة، لا يكفه اللقاء ولا القرب، يطلب الحب والصبر واللقاء ويرضى بالبعد، إنها أحوال العشاق جميعاً في شاعر واحد.
نستمع إلى بعض وجده:
بصوت د. علي بن تميم
فيا ربِّ حببني إليها، وأعطني المودة َ منها، أنتَ تعطي وتمنعُ!
وإلاّ فصبرني، وإن كنتُ كارهاً، فإنّي بها، يا ذا المَعارج، مُولَعُ
تمتّعْتُ منها، يومَ بانوا، بنظرة ٍ، وهل عاشقٌ، من نظرة ِ، يتمتعُ؟
لها في سوادِ القلب بالحبَّ منعة ُ، هي الموت، أو كادت على الموت تشرفُ
وما ذكرتكِ النفسُ، يا بثنَ، مرة ً من الدهر، إلاّ كادت النفسُ تُتلَف
وإلاّ اعترتني زَفرة ٌ واستِكانَة ٌ، وجادَ لها سجلٌ من الدمع يذرفُ
وما استطرفتْ نفسي حديثاً لخلة ٍ، أُسَرّ به، إلاّ حديثُك أطرَفُ
فما سرت من ميل ولا سرت ليلة من الدهر إلا اعتادني منك طائف
ولا مرّ يوم مذ ترامت بكِ النوى ولا ليلة إلا هوى منك رادف
أهمّ سلوّا عنك ثم تردّني إليك وتثنيني عليك العواطف -
نواصل اليوم قطف النفائس من بساتين جميل بثينة في الغزل العفيف، ما الذي يمكن أن تفعله الوشاية في الحب؟ كيف يتصرف العاشق؟ وماذا يقول جميل بن معمر للوشاة؟ ثم ينقلنا إلى مكان آخر في حدائق النسيب عندما يصف محبوبته بأن لها مقلة ٌ كَحلاءُ، نَجْلاءُ خِلقَة، لكنه لا يكتفي بالتغزل فيها بل يصف أباها بالظبي، وأمها بالمها. إنه إمام العاشقين، وسيد الهائمين، وطريق الباحثين عن الحب في أصله ومعناه.
نستمع إلى هذه الأبيات
بصوت: د. علي بن تميم
خليليّ، إن قالت بثينة ُ: ما لهُ أتانا بلا وعدٍ؟ فقولا لها: لها
أتى ، وهو مشغُولٌ لعُظمِ الذي به، ومن بات طولَ الليل، يرعى السهى سها
بثينة ُ تُزري بالغزالة ِ في الضّحى، إذا برزت ، لم تبق يوماً بها بها
لها مقلة ٌ كَحلاءُ، نَجْلاءُ خِلقَة ً، كأنّ أباها الظبيُ، أوأمها مها
دهنتني بودٍ قاتلٍ، وهو متلفي، وكم قتلتْ بالودّ من ودّها ، دها
ورُبّ حبالٍ، كنتُ أحكمتُ عَقدَها، أُتِيحَ لها واشٍ رَفيقٌ، فحَلّها
فعدنا كأنّا لم يكن بيننا هوىً، وصارَ الذي حَلّ الحِبالَ هوًى لها
وقالوا: نراها، يا جميلُ، تبدّلتْ، وغيّرها الواشي؛ فقلتُ: لعلها! -
بين نار الهجران، ولهيب الشوق، نواصل قطفنا من نفائس جميل بثينة. في هذه المرة يصحبنا جميل بن معمر في رحلة إلى جنائن الحب العذري، والشغف بالحبيبة، وطلب الموت إذا لم يكن لقاؤه بها قد قُدّر بعد، ويتحدث عنه جنونه بهواها، لدرجة إنه إذا مات سيتبع صداه صداها بين القبور. إنه الحب السامي في أبهى صوره، الحب الذي لم يستطع أن يقتنصه شعراً بهذه الصورة سوى أمير العشاق جميل بثينة. هنا نستمع إليه.
بصوت د. علي بن تميم
يا ليتني ألقى المنيّة بغتة ً، إنْ كانَ يومُ لقائكم لم يُقْدَر
أو أستطيعُ تجلّداً عن ذكركم، فيفيقَ بعضُ صبابتي وتفكّري
لو تعلمين بما أجنُّ من الهوى ، لعَذَرتِ، أو لظلمتِ إن لم تَعذرِي
واللهِ، ما للقلب، من علمٍ بها، غيرُ الظنونِ وغيرُ قولِ المخبرِ
لا تحسبي أني هجرتكِ طائعاً حَدَثٌ، لَعَمْرُكِ، رائعٌ أن تُهجري
ولتبكينّي الباكياتُ، وإنْ أبحْ، يوماً، بسرِّكِ مُعلناً، لم أُعذَر
يهواكِ، ما عشتُ، الفؤادُ، فإن أمُتْ، يتبعْ صدايَ صداكِ بين الأقبرِ
ما أنتِ، والوعدَ الذي تعدينني، إلاّ كبرقِ سحابة ٍ لم تمطرِ
قلبي نصَحتُ له، فردّ نصِيحتي، فمتى هَجرَتِيه، فمنه تَكَثَّري -
نستمع اليوم إلى نفائس جديدة لشاعر الحب العذري الأول جميل بثينة، نتنقل معه من مقامات الفخر وعزة النفس والشجاعة إلى العشق العذل إلى الهجر إلى العتاب. صور مختلفة ومتوالية لعاشق واحد ذاب في العشق فخلّف لنا قصة حب خالدة، بأوجهها المختلفة، تصف حال كل من أحب يوماً، حتى أصبح لا يريد أن يأتي الغد الذي قد يفرقه عن حبيبته.
هنا بعض نفائس جميل بثينة
بصوت: د. علي بن تميم
نسير أمام الناس والناس خلفنا.. فإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
إذا استبق الأقوام مجداً وجدتنا.. لنا مغرفا مجدٍ وللناس مغرف
برزنا وأصحرنا لكل قبيلة.. بأسيافنا إذ يوكل المتضعف
وماذا عسى الواشونَ أنْ يتحدثوا سوى أن يقولوا إنّني لكِ عاشقُ؟
نعم، صدقَ الواشونَ، أنتِ كريمة ٌ عليّ، وإن لم تَصْفُ منك الخلائقُ!
إذا ما رأوني طالعاً من ثنية ٍ يقولون: من هذا؟ وقد عرفونيِ
يقولون لي: أهلاً وسهلاً ومرحباً! ولو ظفروا بي خالياً، قتلوني
يا عاذليّ من الملام دعاني إن البلية فوق ما تصفان
زعمت بثينة أن فرقتنا غدا لا مرحبا بغدٍ فقد أبكاني -
هذه واحدة من قصص الحب الأسطورية في التاريخ العربي، جميل وبثينة. حفظها جميل بن معمر شعراً، في قصائد تذوب عشقاً وطلاوة. لُقب بـ "جميل بثينة"، وانتسب إليها لشدة ولهه به، كان إمام العشاق العذريين، لم ينظم الغزل إلا في محبوبة واحدة هي بثينة، فأنشد قصائد غاية في الروعة والإتقان، حتى قيل: إنه أشعر أهل الإسلام والجاهلية.. هنا نستمع إلى بعض نفائسه
بصوت: د.علي بن تميم
بثينة ُ قالتْ: يَا جَميلُ أرَبْتَني.. فقلتُ: كِلانَا، يا بُثينَ، مُريبُ
وأرْيَبُنَا مَن لا يؤدّي أمانة .. ولا يحفظُ الأسرارَ حينَ يغيبُ
بعيدٌ عل من ليسَ يطلبُ حاجة.. وأمّا على ذي حاجة ٍ فقريبُ
ارحَمِيني، فقد بلِيتُ، فحَسبي.. بعضُ ذا الداءِ، يا بثينة ُ، حسبي!
لامني فيكِ، يا بُثينة ُ، صَحبي.. لا تلوموا، قد أقرحَ الحبُّ قلبي!
زعمَ الناسُ أنّ دائيَ طِبّي، أنتِ، والله، يا بُثينة ُ، طِبّي!
وأوّلُ ما قادَ المَودّة َ بيننا.. بوادي بَغِيضٍ، يا بُثينَ، سِبابُ
وقلنا لها قولاً، فجاءتْ بمثلهِ.. لكلّ سؤال يا بثينَ، جوابُ
أظل نهاري مستهاما ويلتقي .. مع الليل روحي في المنام وروحها
فهل لي في كتمان حبي راحة.. وهل تنفعني بوحة لو أبوحها